الحديث الرمضاني (6) أحسن الأعمال

بسم الله الرحمن الرحيم قوله(ع): "وانتهِ بنيَّتي إلى أحسن النيَّات".في المحاضرة السابقة قلنا ان النية تنقسم الى ثلاثة اقسام من حيث غايتها: قبيحة وحسنة واحسن، وكذلك العمل يمكن تصنيفه الى ثلاثة اصناف قبيح وحسن وأحسن تبعا للنية لان قبح العمل وحسنه واحسنيته فرع النية ،

 كما قال عليه السلام: إنما الأعمال بالنيات . فان كانت النية قبيحة فالعمل قبيح وان كان النية حسنة فهو حسن وان كانت نيته احسن فهو احسن.

ولذلك المراد بأحسن الأعمال هوالعمل الذي يصدر عن نية صادقة، اي عن  نية خالصة لله بحيث ان الانسان لا يريد من العمل ايا كان العمل عباديا اوغير عبادي لا يريد غير وجه الله تعالى ورضاه.

روي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى: «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا» قال: ليس يعني أكثركم عملا، ولكن أصوبكم عملا، وإنما الإصابة خشية الله والنية الصادقة.ثم قال: العمل الخالص الذي لا تريد أن يمدحك عليه أحد إلا الله .

فاذن احسن النيات هي النية الصادقة كما قلنا في المحاضرة السابقة واحسن الاعمال هو العمل الذي يصدر عن نية صادقة .

البعض لديه تفسير اخر لأحسن الاعمال تبعا  للروايات الواردة عن الائمة (ع) حيث ان الروايات الواردة عن المعصومين(ع) مختلفة في تحديد ما هو احسن الاعمال  فبعضها يقول إن الصلاة هي  أحسن الأعمال، وهناك روايات أخرى تقول إن صلة الرحم أحسن الأعمال. وبعضا يقول العمل بالسنة هو افضل الاعمال وبعضها يقول ادخال السرور على قلب المؤمن هو افضل الاعمال وهكذا ، والمقصود من هذه الروايات  ليس المعنى المطلق بحيث ان العمل المذكور في الرواية الاولى هو افضل الاعمال على الاطلاق والعمل الثاني احسن الاعمال على الاطلاق لانه يقع التعارض والتناقض بين الروايات بل المقصود المعنى النسبي اي إن العمل الفلاني أحسن عمل بالنسبة لكذا أو للشخص الفلاني، والعمل الآخر أحسن بالنسبة لشخص آخر أو موقف آخر او ظرف اخر.

 فالمقصود باحسن الاعمال هو المعنى النسبي، بمعنى انه قد يكون هناك عمل هو افضل الاعمال نسبة الى شخص معين ونسبة لاوضاعه وظروفه ومسؤوليته، ، وقد يكون هناك عمل اخر نسبة الى شخص اخر ومسؤوليته هو افضل الاعمال ولذلك على الإنسان أن يعرف ما هي مسؤوليته الفعلية فيعمل بها، لأنها هي أحسن الأعمال بالنسبة إليه.

فأفضل الأعمال بالنسبة لصاحب العيال الفقير الذي لا يملك المال ليس الصلاة او الصيام او قضاء حوائج الناس بل الاكتساب الحلال للحصول على المال والإنفاق على من تجب عليه نفقتهم.

وأفضل الأعمال للإنسان الذي بينه وبين أرحامه قطيعة أن يصل رحمه، ولا تكون صلاة الليل ـ مثلاً ـ أحسن الأعمال بالنسبة إليه، وإن كانت حسنة له، وأحسن بالنسبة لغيره. فعندما يقال إن أفضل الأعمال صلة الرحم، فمعناه أن على الشخص الذي بينه وبين رحمه قطيعة أن يبادر لصلتها قبل القيام بأي عمل آخر، لأنها أفضل عمل يطلبه الله منه، فهي أحسن من صلاة الليل ومن قراءة القرآن ومن قراءة الادعية. 

 فالمراد من الروايات المتعددة في الموارد المختلفة من أحسن الأعمال أنه كلٌّ بحسب مورده وظروفه واوضاعه ومسؤوليته، فإجاباتهم سلام الله عليهم على نحو القضايا الخارجية وليس فيها اي تعارض، فهم يجيبون كل سائل بحسب مقتضى حاله واوضاعه وظروفه وهذا ما كان بفعله النبي مع البعض عندما كان يأتي اليه البعض ويطلب منه ان يعظه فكان(ص) يعظه بالموعظة التي تنفعه بحسب شخصيته واوضاعه وظروفه ومقتضى احواله فقد جاء اليه رجل ذات مرة وقال له): يا رسول الله علمني قال: اذهب ولا تغضب، فقال الرجل: قد اكتفيت بذاك، فمضى إلى أهله فإذا بين قومه حرب قد قاموا صفوفا ولبسوا السلاح، فلما رأى ذلك لبس سلاحه، ثم قام معهم ثم تذكر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): "اذهب ولا تغضب " فرمى السلاح، ثم جاء يمشي إلى القوم الذين هم عدو قومه، فقال: يا هؤلاء ما كانت لكم من جراحة أو قتل أو ضرب ليس فيه أثر فعلي في مالي أنا أوفيكموه فقال القوم: فما كان فهو لكم، نحن أولى بذلك منكم، قال:فاصطلح القوم وذهب الغضب.