الحديث الرمضاني (3) أفضل اليقين 2

بسم الله الرحمن الرحيم قوله(ع) : (واجعل يقيني أفضل اليقين) كيف نحصل على اليقين؟اولا: التدبر في ايات الله وفي عظمته وعظمة مخلوقاته. ثانيا: التدبر في القران ومضامينه ومفايمه وما اخرنا به .

ثالثا : العمل بطاعة الله وتدريب النفس على العمل الصالح والعبادة وخاصة في هذا الشهر المبارك.

متعلقات اليقين

وهناك العديد من المسائل والمبادىء والمعتقدات التي لا بد ان يتعلق بها يقين الانسان: ان يكون لديه يقين بالله، وبوجوده، وبوحدانيته، وبصفاته، وحسن أسمائه, ويقين بحكمة الله، وعدله, ويقين بصوابية تشريعاته, وأنه لا أكمل من شريعة الله, فهي الكاملة التامة، المناسبة لما يُصلح الناس منذ ان خلق الله الناس وشرَّع لهم الشرائع، إلى آخر يوم، فحلاله حلال إلى يوم القيامة, وحرامه حرام إلى يوم القيامة، وما من حلالٍ أحلَّه الله إلا والواقع يقتضي أن يُحِلَّه, وما من حرامٍ حرَّمه الله إلا والواقع يقتضي أن يُحرِّمه.

ان يكون لديه يقين بالهداة والأدلاء على الله، و الأنبياء، والرسل، والأئمة،

وهذا اليقن يولد لدى الانسان الاطمئنان ويجعله يسلم لما اراده الله ولما شرعه ولما قره فمثلا:

أولاً: كيف أكون على يقين بعدل الله تعالى؟

عندما تكون على يقين بعدل الله، فإنَّ معنى ذلك أنَّ كلَّ ما يُقدِّره الله ويقضيه فهو مناسب للعدل، ولا جور فيه ولا ظلم, وانت تسلم به ويكون الحال عندك سواء: إن مرضت أو عُوفيت, رُزقت أو مُنعت, وُسَّع عليك في رزقك أو قُدر عليك رزقك, الحال عندك سواء أُصبت بمصيبةٍ أو كنتَ

في عافية والحال عندك سواء أحبَّك الناس أو أبغضوك، قدَّروك أو أهانوك, توسَّعت الدنيا في وجهك أو ضاقت, رُزقت أبناءاً أو حُرمت, أُصِبت في حبيبٍ لك أو رُزقت حبيباً جديداً..

كلُّ ذلك عندك سواء من جهة اليقين بأن هذه الأحوال المتناقضة غير منافية للعدل الإلهي.

هي عندك سواء لأنك على يقِّين أنَّ ذلك هو الذي يُصلحك ويناسبك, وأنَّ ذلك لا ينافي عدل الله معك، فاذا حرمك واُعطي الناسفان ذلك لا يبعثك على الشك في عدل الله. وعندما ترى النِّعم تُفاض على الاخرين  فإنك لا تتبرَّم.. وهكذا، عندما لا تتبرَّم عند المصيبة، ولا تبطر عند النعمة، تكون ممن أيقن بعدل الله.

ثانياً: كيف أكون على يقين بحكمة الله تعالى؟

ما معنى أن تكون على يقينٍ بحكمة الله؟، معناه أن تكون على يقينٍ بحسن تدبير الله عز وجل فيما خلق وقدَّر، وفيما شرَّع. فكل ما يحدث في الكون من سننٍ وقوانين، فإنها مُعبِّرة عن حكمة الله وكل ما شرَّعه فهو معبِّر عن حكمته أيضاً.. فحين تعتقد بذلك، فإنك من أهل اليقين. فاليقين يعني التسليم, أو من نتائجه التسليم, ومن آثاره التسليم.

 

نلاحظ أنَّ الموقنين يأمرهم الله بما لا يتعقَّلونه ولا يُدركون حكمته، فلا يمنعهم ذلك من الإنقياد الى الله، مثلاً: يأمرهم بأن يصلوا ثلاث ركعات، ثم يأمرهم بأن يصلوا أربع ركعات, فتجدهم يُسلِّمون بهذا، ويسلِّمون بذاك..

 يأمرهم أن يرموا الجمار بسبع حصيات، فيُسلِّمون ويمتثلون.. ويكون للمرأة نصف حظِّ الرجل في الميراث، فتُسلِّم المرأة، ويُسلِّم الرجل.. ويحكم بأن تكون دية المرأة نصف دية الرجل، فتُسلِّم المرأة، ويٌسلِّم الرجل. لا ينثار تسائل في قلبِ مُوقنٍ،

ولا تشكيك في قلبٍ مؤمن في أن هذه التشريعات هل هي مطابقة لمصلحة العباد وهل هي مطابقة للحكمة، فهم على يقين من ذلك. فينقادون إلي ما امر الله بكل رحابة صدر، ويكون مسلِّماً بأن ذلك هو الحق -حتى لو كان مخالفا لمقتضى ما يُدرك- فذلك هو اليقين الموصوف بأنه ملاك الإيمان وعماده.

نعم قد نسأل، وقد نبحث عن علل بعض الأحكام ومناشئ جعلها, وأنه لماذا حرَّم الله هذا، وأحلَّ هذا؟, وأيُّ فرقٍ بين هاتين الحالتين: هذه شاة قد ذُبِحت وفُريت أوداجها الأربعة, فقال الله عنها أنها حلال.. وتلك ذُبحت وفريت أوداجها الأربعة، فقال هي حرام.. ما الفرق؟, قيل أنَّ هذه ذُبحت على القبلة، وتلك لم تُذبح على القبلة. نحن لا نتعقَّل الفرق، وقد نتعقَّل، ومع ذلك نُسلِّم، فنرمي تلك في القاذورات، ونأكل هذه. فالسؤال للمعرفة إنْ اٌتيحت ولكنَّ القلب منطوٍ على اليقين بأنَّ شريعة الله هي المطابقة للحكمة التامة هذا هو اليقين المحمود. 

الشك نقيض اليقين

التشكيكات -التي تُثار هنا وهناك- إنما تُثار من قبل غير الموقنين، فمنهم من يُثير الشبهة لأنه لم يبلغ مرتبة اليقين، ومنهم من يُثير الشبهة ليبعث الشك في قلوب الموقنين.

هناك الكثير من الأمور والكثير من أسرار الوجود التي لا يدرك الإنسان أبعادها, ولا يعرف سرّ نشأتها، ومع ذلك يُدرك أنها حقائق لا يسعه نكرانها.فلماذا يشكك فيالاحكام والتشريعات فقط؟ فهناك  الكثير من مناشئ تدبير الله لهذا الخلق وهذا الكون مجهول للإنسان فالإنسان لا يعرف الا العشر من ملايين الاسرار التي يختزنها هذا الكون.. من يعرف لماذا تُشرق الشمس في المشرق ثم تغرب في جهة المغرب؟! هل استشارالله احدا يوم خلق نظام الشمس بهذه الطريقة؟! لماذا الغرور؟! هل استشارالله احدا حينما خلق للانسان خمس أصابع في كلِّ يد، ولم يخلق عشر أصابع في كل يد؟ هل استشارك يوم جعلك بهذه الخلقة؟ هل استشارك عندما جعل موضع لسانك في هذا الموقع، وجعل موضع معدتك في هذا الموقع، أو موقع قلبك في هذا المكان؟ هل استشارك عندما بسط الأرض، ورفع السماء؟ هل تعرف علَّة دوران الأرض، والشمس والمجرَّات؟ الآن مضى على مجيء الإنسان الى هذه الدنيا آلاف -إذا لم تكن ملايين- السنين، ولا زال يجهل الكثير الكثير، وأمامه طريق طويل للتعرف على القليل من أسرار هذا الكون. متى يعرف الإنسان وزنه، وحجمه، وضيق أفقه؟!

ثم لماذا يتعب الإنسان نفسه بالبحث عن ملاكات الأحكام وأسبابها موهماً نفسه أنَّ ذلك هو السبيل لتحصيل اليقين بصوابيتها! الحكيم الذي خلقك بهذه الصورة ولم يستشرك في أن يجعل قوام وجودك هو التنفُّس وجريان الدم في عروقك.. الحكيم الذي خلق هذا الكون العظيم ونظَّمه بهذا التنظيم الرائق والمعقَّد، وجعل الناس أصحاب عقول، وخلق لهم الأنعام والنبات، أفلا يرى الإنسان أنَّ تربة في بقعة من الأرض ذات طبيعة واحدة يبذر فيها ثم تغتذي بماء وسماد, فتخرج فواكه شتَّى، بعضها حامض، وبعضها حلو، وبعضها مرّ، وهيئات مختلفة، أكلٌ مختلف ألوانها وطعومها؟! من الذي صبغها؟ من الذي شكَّلها؟ من الذي لوَّنها؟ هذا الحكيم اقتضت حكمته أن يخلق هذه الأطعمة المتفاوتة في الشكل والطعم واللون والقيمة الغذائية خلقها من لا شيء، إذ أن البذر التي ألقيت في الأرض والماء الذي أجرى على الأرض كان من خلق الله تعالى ثم من الذي نشأ هذه البذور وأنماها حتى صارت أشجاراً ذات ثمار ﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ/أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾(8) ﴿أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ/ أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ﴾(9).

إنّ من يُدرك عظمة الله، ويَعظُمُ الخالق في قلبه، ويعرف حكمته البالغة، لن يشك في تمامية أحكامٍ حكم بها الله تعالى، أوشريعة فرضها.

ثالثاً: كيف أكون على يقين بأولياء الله؟

وأما معنى اليقين بأولياء الله، فهو اليقين بأنَّ الله أعلم حيث يجعل رسالته، فهو الذي خلقهم، ويعلم بمخابرهم وملكاتهم ومستوى ما هم عليه من استعدادٍ نفسيٍّ وذهني، فليس للبشر أن يختاروا هذا أو ذلك؛ ليجعله الله رسولا أو يختاروه ليجعله الله دليلاً عليه، وإماماً على خلقه، وهاديا لهم وذلك لقصورهم وامتناع إحاطتهم بمن هو أجدر بهذا المقام من بين عباد الله تعالى،

فإذا أذعن الإنسان بهذه الحقيقة فإن نتيجتها هي التسليم لمن اختاره الله عزوجل لهذه المقامات والتسليم بعد ذلك بصوابية ما يصدر عن هؤلاء الذين اختارهم الله لدينه وأنَّ ما يصدر من هذا الإمام، أو من هذا النبي، هو عين الحق والصواب؛ لأنه مُختارٌ ومُنتجبٌ من عند الله، ومُسدَّد من قبل الله -عز اسمه وتقدس-. فلا موضع للتشكيك في صوابية ما يصدر عن النبي والإمام من أوامر وإرشادات لأن ذن ذلك يساوق التشكيك في اختياره الله عزوجل.

الكثير ممن يرى أنه مؤمن بالله وبرسوله وأهل بيته (ع)، ينتابه الشك عندما تُمحَّص الأمور.. يروى ان جماعة دخلوا على الإمام الصادق (ع), وقالوا له: يا أبا عبد الله، إلى متى نصبر على هذا الظلم والضيم الذي انتابنا؟ ألا تعلنها ثورة على الظالمين، فإنَّ معك آلاف الرجال؟!، قال لأحدهم: قُم، وادخل هذا التنور. قال: يا أبا عبد الله، أدعوك للثورة على الظالمين، فتأمرني بالدخول في هذا التنور لأحترق؟! قال: ادخل، فإنك لن تحترق -مضمون الرواية-, ولن تُصاب بأذى. فأبى أن يدخل -رغم أنَّ الإمام أخبره-؛ وما ذلك إلَّا لأنه لم يكن على يقين بالإمام, فلو كان على يقينٍ لاستجاب إلى أمر الإمام (ع). ولم يمض وقت حتى دخل رجل من عامة الناس وكان مؤمناً تقياً من شيعة أهل بيت محمد (ص) -ودون أن يعلم ما الأمر-، فدخل وسلَّم، فقال له أبو عبد الله: قم يا هذا، وادخل التنور -وهو يستعر ناراً، والجمر يتلظَّى منه فلم يتكأ بل قام ودخل إلى التنور ومكث فيه وقتاً إلى أن أمره الإمام بالخروج منه فخرج ينفض الرماد من عن ثيابه! وهو معافى لم يصبه مكروه.

نعم، ضعُف اليقين بأهل البيت (ع)، ولذلك كانت التبعات كثيرة.. لو لم يضعُف يقيننا بأهل البيت، لأكلنا من فوقنا ومن تحت أرجلنا، ولما أصابنا الكثير مما أصابنا. إذن، إذا أردنا أن نكون من أهل اليقين، فلابدَّ وأن يكون إيماننا بأهل البيت (ع) -وبما يأمرون به، وينهون عنه- إيماناً راسخاً.