الحديث الرمضاني (1) أكمل الإيمان

 بسم الله الرحمن الرحيم  "اللهم صل على محمد وآل محمد, وبلِّغ بإيماني أكمل الإيمان, واجعل يقيني أفضل اليقين, وأنته بنيَّتي إلى أحسن النيات, وإلى عملي أحسن الأعمال".

دعاء مكارم الأخلاق الوارد في الصحيفة السجادية للإمام السجاد عليه السلام هم من الادعية العظيمة التي احتوت على العديد من قيم ومكارم ومحاسن الاخلاق، والصفات والسجايا النبيلة، ولو ان الانسان المؤمنٍ سعى الى تربية نفسه على هذه الصفات والمضامين وجسدها في حياته وجعلها جزءا من شخصيته، لارتقى إلى أعلى درجات الكمال، ولكان من أكثر الناس قربا من الله سبحانه وتعالى.

 افتتح الإمام دعاءه بالصلاة على محمد وآله، بل افتتح كل فقرة من فقرات الدعاء ـ وتبلغ حوالى عشرين فقرة ـ بالصلاة على محمد وآله.

ومن المعروف أن من أسباب استجابة الدعاء أن يُفتتح بالصلاة على محمد وآله، وقد وردت بذلك روايات متواترة :

 فعن النبي صلّى الله عليه وآله أنه قاللا يزال الدعاء محجوباً حتى يصلى علي وعلى أهل بيتي.

وينقل العارف الجليل والمرجع الديني الفقيه آية الله الشيخ محمد تقي الإصفهاني فيما كتبه من مكاشفاته التي نشرت مقتطفات منها بعد وفاته، ينقل الحادثة التالية:

يقول: كنت ليلة في مسجد السهلة، فالتقيت فجراً أحد رجال الغيب وعرضت عليه الكثير من الأسئلة وكان ينقل لي أجوبتها عن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) وكنت أكتبها لكي لا أنساها وكان أحد أسئلتي هو: "علموني ذكراً ينفعني في جميع الحاجات، فكان الجواب هو ليس ثمة ذكر أقرب للقبول عند الله من الصلوات على محمد وآله".

إذن هذا تعليم لنا من الإمام(ع) وعمل منه، يرشدنا من خلاله لافتتاح ادعيتنا بالصلاة على محمد واله.

قوله(ع): "وبلِّغ إيماني أكمل الإيمان". اي يا رب بلغني اكمل الايمان لإني من دون عونك لا أستطيع الصعود والبلوغ بإيماني أكمل الإيمان، لأني مثقل بالذنوب.

والإيمان ليس على مرتبةٍ واحدة، بل له مراتب ودرجات (يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَٰتٍۢ) ، لذلك يظلُّ الإنسان المؤمن في سعيٍ دائم؛ من أجل أن يرقى مرتبةً بعد مرتبة وصولا إلى أعلى المراتب .

لذلك يعلمنا الإمام السجاد (ع) كيف ندعو  ليكون شغلنا الشاغل، وهمُّنا الأكبر، هو الوصول لأعلى مراتب الإيمان، فلا ينبغي للمؤمن أن يقنع بما هو عليه من مرتبة إيمانية, بل يجب عليه أنْ يسعى، ويجاهد نفسه، ويستهلك كلَّ ما في وسعه؛ من أجل أن يتخطَّى مراتب الإيمان، مرتبةً بعد مرتبة.

فمثلا ادنى مراتب الإيمان: هو الإقرار والإذعان القلبي بأصول العقيدة، واليقين بصوابية وحقانية هذه الأصول والتي هي التوحيد لله تعالى والرسالة والمعاد والولاية.

وهناك أمر آخرٌ إذا تمثَّله الإنسان كان في أدنى مراتب الإيمان، وهو الإلتزام بالطاعات: بالواجبات, بالصلاة والصيام, والزكاة والحج, وسائر الفرائض الإلهية. فإذا ما كان الإنسان واجداً لليقين بأصول العقيدة وممتثلاً لأصول الفرائض الإلهية فهو مؤمن، ولكنه في المرتبة الأولى من الإيمان وثمَّة مراتب أخرى هي التي تُصحِّح وصف المؤمن بأنه قد بلغ أكمل الإيمان. 

هناك مرتبة أخرى وعلامة أخرى للمؤمن، فعن رسول الله (ص): "من ساءته سيِّئته, وسرَّته حسنته فهو مؤمن"

المؤمن قد يرتكب الخطايا, وقد يذنب ذنباً إلا أنه سرعان ما يندم ويشعر بالأذى والأسى والحزن والألم ويتوب إلى الله، بينما غير المؤمن، يرتكب السيئة ويتفاخر بهه, او يُذنب الذنب ثم ينوي أن يعود إليه, ولا يندم على خطيئة, بل يسعى لغيرها وأكبر منها, هذا هو حال غير المؤمن.. وإن أطاع كانت طاعته بتثاقل, ولا ينوي بأن يأتي بطاعةٍ غيرها, فإذا تصدَّق شعر بأنه قد خسر, وقد نقص من ماله. وإذا قضى حاجةً لمؤمنٍ شعر بأنه قد بذل جهداً دون جدوى، ودون مردود... هذا هو غير المؤمن. وأما المؤمن فإذا فعل طاعة ابتهج وفرح وسُرَّ، وسأل الله أن يُوفِّقه لغيرها, وإذا فعل معصية ندم واستاء واشمئزَّت نفسه، وقصد أن لا يعود لمثلها.

أكمل الايمان:

لكن كيف يبُلغ المؤمن إلى أكمل الإيمان؟ وما هي الصفات التي يبلغ بها المؤمن أكمل الإيمان؟

 الذي يظهر من الروايات ان أكمل الإيمان هو: الذي تظهر آثاره العملية في جميع خطوات وحركات المؤمن وسلوكه، فيكون متوجهاً لله وحده لا شريك له متبعاً لرسوله الأكرم(ص) آخذاً بسنته وعاملا بها، متمسكاً بولاية أوصيائه وعاملاً بوصاياهم (عليهم السلام).

فعن الامام الصادق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أسبغ وضوءه، وأحسن صلاته، وأدى زكاة ماله، وكف غضبه، وسجن لسانه، واستغفر لذنبه، وأدى النصيحة لأهل بيت نبيه فقد استكمل حقائق الإيمان. 

اعمال وقيم واضحة إلَّا أنَّ تجسيدها شاق وصعب.. يحتاج إلى جهاد, ويحتاج إلى عناء, ويحتاج إلى أن يروِّض الإنسان نفسه على القيام بها..

 

فيُسبغ الوضوء ولا يتجاوزه دون اهتمام, ويُحسن صلاته ولا يقوم إليها وهو يتثاقل, بل يقوم إليها برغبةٍ وشوق, ويؤدِّيها أحسن الأداء, فيؤدِّي ركوعها، وسجودها، وقيامها، وقراءتها, ويعرف أحكامها ويتمثَّلها، ويتأمَّل مضامينها ويخشع عند أدائها.. عندئذ يكون قد وضع قدمه على أُولى الدرجات الموصلة لمرتبة الكمال ، كمال الإيمان.

ثم قال (ص): "وأدَّى زكاة ماله", يؤدي الحقوق التي عليه, ويؤديها بطيبٍ من نفسه, ولا يستشعر الامتنان، ولا يستشعر التثاقل.

هناك الكثير من المؤمنين لا يصعب عليهم اداء الصلاة ولا الصوم كثيراً, ولا يشقُّ عليه أن يذهب الى الحج أو أن يتلو القرآن, ولكن يصعب عليه أن يُخرج من جيبه فلسا واحدا.

 العبادات المالية هي من أصعب العبادات على النفس، وامتثالها يُعبِّر عن مرتبةٍ عالية من مراتب الإيمان. فلا يكون العبد مؤمناً حق الإيمان حتى يكون شوقه لأداء الزكاة كشوقه لأداء الصلاة.. وإذا استشعر ثقل هذه العبادة فليبحث عن ذلك في نفسه؛ فإنَّ في إيمانه وهنٌ وضعف.

ثم قال (ص): "وخزن لسانه"، وهذا من أشق الطاعات أيضاً، أن يغضب فلا يعبِّر عن غضبه بمعصية، فلا يغتاب إذا ما استوحش من أخيه، ولا يظلم أخاه إذا استفزَّه, أو ابتزَّه وظلمه, ولا يقول ما يؤدِّي إلى إشاعة الفتنة، أو الفاحشة، في الذين آمنوا.. ولا يبهت مؤمناً، ولا يُشهِّر به.. ويحاسب نفسه على كلِّ ما يتفوه به ويقوله. 

صحيح أن ذلك شاق جداً، ويحتاج إلى ترويضٍ قد يكلِّف الإنسان عمره، فأن يخزن الإنسان لسانه, والأصل عنده أن لا يتكلَّم، وإذا تكلَّم نطق بما فيه رضاً لربِّه، ويكفُّ غضبه.. في أدقِّ الظروف فهذا أمرٌ يصعب على الإنسان امتثاله، ولكن إذا ما امتثله يكون قد بلغ مرتبةً عالية من مراتب الإيمان.

إذا استفزَّك أحدٌ، أو ابتزَّك، أو ظلمك، أو اغتابك، أو أهانك، أو سخر منك، أو أساء إليك، أو بخسك حقَّك، فشعرت منه بالأذى، فماذا أنت صانع؟ إن كظمت غيظك، واتَّسع لظلمه صدرُك، وطالبتَ إن شئت بحقِّك بأرفق الطلب، فعندئذٍ تكون قد حصلت على مرتبةٍ هي من أعلى مراتب الإيمان.