الحديث الرمضاني(11) السعي في قضاء حوائج المؤمنين

من مظاهر التعاطف والتراحم بين المؤمنين خدمة المؤمنين لبعضهم البعض والسعي في قضاء حوائجهم وتفريج الكرب عنهم. 

وقد أكّد الإسلام بشكل كبير على خدمة المؤمنين لبعضهم البعض، وقد اشارات الروايات الشريفة إلى بعض المحفّزات لتحريض المؤمنين على خدمة بعضهم.

فأحبُّ الناس إلى الله من يسعون في قضاء حاجات الناس, لأنهم يجسّدون أسمى المعاني الإنسانيّة وأرقاها، وهو العطاء وخدمة الناس، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "قال الله عزّ وجلّالخلق عيالي، فأحبّهم إليّ ألطفهم بهم، وأسعاهم في حاجاتهم"

وهناك ثمار يجنيها الساعي في خدمة الناس في الدنيا وفي الآخرة:

 فعلى الصعيد الدنيويّ:فان الله تعالى يتكفّل بحاجة من يقضي حاجة أخيه المؤمن، كما جاء في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "من كان في حاجة أخيه المؤمن المسلم، كان الله في حاجته ما كان في حاجة أخيه".

وأمّا على الصعيد الأخرويّ:فان من سعى لقضاء حوائج المؤمنين وخدمتهم كان من الآمنيين يوم القيامة من العذاب إضافة الى الثواب العظيم والأجر الكبير الذي يحصل عليه عمن الله ، فعن الإمام الكاظم عليه السلام: "إنّ لله عباداً في الأرض يسعون في حوائج الناس، هم الآمنون يوم القيامة".

وعندما ندقق في الروايات الشريفة سنجد انها ركزت على مجموعة عناوين :

اولا:على عنوان المؤمن وقضاء حاجة المؤمنين وخدمتهم والتنخفيف من معاناة المؤمنين وكربهم وهمومهم وآلمهم، وذلك لأن الله يريد لمجتمع المؤمنين ولشريحة المؤمنين أن تكون متكافلة ومتعاونة أكثر من أي شريحة أخرى وأكثر من أي مجتمع آخر.

مجتمع المؤمنين يجب أن يكون من خصاصه وسماته العامة وميزاته أن أفراده يقومون بخدمة بعضهم البعض وقضاء حوائج بعضهم البعض، وأن افرادهمن موقع الإيمان والإلتزام والإسلام يكفلون بعضهم بعضا ويتهاونون ويشعرون بهموم بعضهم وآلام بعضهم فيبادرون الى القيام بهذه المهمة الإجتماعية الإنسانية ويتملون هذه المسؤولية.

وهذا لا يعني ان لا يقوم المؤمنون بخدمة غير المؤمنين وقضاء حوائجهم فالله تعالى يقول:

فغير المسلمين وغير المؤمنين من المسالمين غير المحاربين الذين لم يقوموا بعدوان على المسلمين لا بد من معاملتهم بالبر والإحسان والقسط والعدل ولا مانع من قضاء حوائجهم وخدمتهم.فقضاء الحوائج لا ينحصر بالمؤمنين وإنا المطلوب من المؤمنين أن يكونوا أكثر من غيرهم في تأدية هذه المسؤولية تجاه بعضهم البعض.

ثانيا:أن الثواب والأجر والفضل يترتب على مجرد السعي في قضاء حاجات الآخرين وليس على قضاء الحاجة فمجرد المحاولة والسعي في قضاء الحاجة له ذاك الثواب والفضل سواء قضيت الحاجة أم لم تقضى ولذلك ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "من سعى في حاجة أخيه المسلم طلب وجه الله، كتب الله عزّ وجلّ له ألف ألف حسنة".

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من مشى في عون أخيه ومنفعته، فله ثواب المجاهدين في سبيل الله.

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام - في حديث طويل-: "لأن أسعى مع أخٍ لي في حاجةٍ حتَّى تقضى، أحبُّ إليَّ من أن أعتق ألف نسمة، وأحمل على ألف فرس في سبيل الله مسرجة ملجمة.

 اذن مجرد السعي والمشي له هذا الثواب سواء وفق الإنسان لتحقيق الطلب وقضاء الحاجة أم لم يوفق لذلك. أما قضاء الحاجة فربما له ثواب أكبر فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من قضى لأخيه المؤمن حاجة، كان كمن عبد الله دهره".

ثالثا:آداب قضاء حوائج الناس وخدمتهم هي كما في الحديث عن علي عليه السلام: لاَ يَسْتَقِيمُ قَضَاءُ الْحَوَائِجِ إِلاَّ بِثَلاَثٍ: بِاسْتِصْغَارِهَا لِتَعْظُمَ، وَبِاسْتِكْتَامِهَا لِتَظْهَرَ،و بِتَعْجِيلِهَا لِتَهْنَؤَ .

اي باستصغارها في الطلب لتعظم بالقضاء.واسْتِكْتَامُها: أي الحرص على كتمانها لتظهر بعد قضائها، فلا تُعْلَم إلا مقضية.وتَهْنُؤ: أي تصير هنيئة فيمكن التمتع بها.

رابعا:كما أن قضاء الحاجة له ثواب وفضل ففي المقابل فإن صد المحتاجين ورد حاجة الإخوان ومنعهم إياها وهو قادر على قضائها له عقاب بل عواقب وخيمة ففي بعض الروايات: أن الله يعذبه في قبره. ويعيره يوم القيامة.

 فعن أبي الحسن (عليه السلام) يقول: "من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فإنّما هي رحمة من الله تبارك وتعالى ساقها إليه، فإن قبل ذلك فقد وصله بولايتنا وهو موصول بولاية الله، وإن ردّه عن حاجته وهو يقدر على قضائها سلّط الله عليه شجاعاً من نار ينهشه في قبره إلى يوم القيامة.. "

 وعن الإمام الصادق عليه السلام: "أيّما رجل مسلم أتاه رجل مسلم في حاجة، وهو يقدر على قضائها فمنعه إيّاها، عيّره الله يوم القيامة تعييراً شديداً، وقال له: أتاك أخوك في حاجة قد جعلت قضاءها في يدك، فمنعته إيّاها زهداً منك في ثوابها، وعزّتي لا أنظر إليك اليوم في حاجة، معذّباً كنت أو مغفوراً لك.

 وأصعب من هذه الرواية ما روي عن الإمام الكاظم عليه السلام: "من قصد إليه رجل من إخوانه، مستجيراً به في بعض أحواله، فلم يجره بعد أن يقدر عليه، فقد قطع ولاية الله عزّ وجلّ".

وطبعا إنما نتحدث هنا عن الحاجات الشخصية التي يطلبها المؤمنون والإخوان من بعضهم البعض نتيجة حاجات خاصة ومحدودة، أما الحاجات العامة والخدمات العامة التي يحتاجها الناس بشكل يومي والتي  هي من مسؤوليات الدولة كالكهرباء والماء وغير ذلك فإن الصد عنها ووضع العراقيل في طريق تنفيذها وتأمينها كما يحصل عندنا في لبنان هو جريمة وخطيئة كبرى يرتكبها اولئك الذين يعرقلون ويمنعون تنفيذ المشاريع الحياتية التي تخدم الناس.

وكذلك التهرب من المحتاجين والإحتجاب عنهم وعدم ملاقاتهم او الرد على مكالماتهم واتصالاتهم تهربا من طلباتهم وحوائجهم،  فأحيانا يكون الانسان في موقع يستطيع من خلاله خدمة الناس كأن يكون متمكنا ماليا او لديه مسؤولية يستطيع من خلالها خدمة الناس او لديه علاقات واسعة تمكنه من قضاء حوائج المؤمنين إلا أنه يحتجب عن الناس ويتهرّب منهم ولا يقابلهم كأن يقول لمن يسأل عنه أنّه مشغول او في جلسة او اجتماع او ليس لديه وقت للقائك, فهذا التصرّف يعتبر من التصرّفات التي نهت عنها الروايات الشريفة، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "من صار إلى أخيه المؤمن في حاجته أو مسلما فحجبه، لم يزل في لعنة الله إلى أن حضرته الوفاة".

وما أشدّ عقوبة هذا العمل في الرواية المرويّة عن الإمام الصادق عليه السلام: "أيّما مؤمن كان بينه وبين مؤمن حجاب، ضرب الله عزّ وجلّ بينه وبين الجنّة سبعين ألف سور، ما بين السور إلى السور مسيرة ألف عام.

لذلك على الإنسان أن يحذر من هذا السلوك وأن يتقرب من الناس ولا يحتجب عنهم مهما كانت لديه مشاغل ومسؤوليات وأن يبادرالى خدمة الناس ما أمكن لينال رضالله سبحانه ويحصل على ثوابه وكرامته .

والحمد لله رب العالمين