الحديث الرمضاني(3) الإسراع الى التوبة

على المذنب أن يتوب, وأن يحقق معنى التوبة الكامل بالإقرار والندم والثبات عليها وسائر الشروط الأخرى, وليس لها مهلة،لكن على المذنب الإسراع في التوبة والمبادرة اليها فورا بأن يتوب بعد ذنبه مباشرة .

يقول الشيخ البهائي رضوان الله عليه: لا شك في وجوب الإسراع في التوبة.. فالمعاصي كالسموم للأبدان، وكما أن من يتناول السم عليه الإسراع إلى المعالجة لكي لا يموت، فكذا الخائف من موت الأبد يجب عليه التعجيل في ترك الذنب والمبادرة إلى التوبة.

 

و المذنب المتهاون في التوبة ويرجئها إلى وقت آخر، يجعل نفسه بين خطرين إذا نجا من أحدهما وقع في الآخر:

أولهما: حلول الأجل بغتة، بحيث لا تتسنى له اليقظة من سبات الغفلة،إلا أن يرى أجله قد حان، كما قال تعالى: ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ﴾سورة الأعراف: الآية 97.وقال تعالى أيضاً: ﴿وَأَنفِقُوا مِن ما رَزَقْنَاكُم من قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَب لَوْلَا أَخرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصدقَ وَأَكُن منَ الصالِحِينَ *وَلَن يُؤَخرَ اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾سورة المنافقون: الآيتان 10، 11.

قيل في تفسير هذه الآية إن المحتضر يقول لملك الموت: أمهلني يوماً لأتوب من ذنوبي، وأعد نفسي للآخرة، فيقول له: قُضي أجلك، أي أن باب التوبة يغلق بوجهه، وتخرج روحه من بدنه، فتأخذه الحسرة والندم على ما فرط فيه من عمره، وحتى أن أصل الإيمان قد يتعرض في مثل هذه المواقف للخطر.

وثانيهما: إنه إذا لم يطهر قلبه من الذنوب - عن طريق التوبة - فإن الاَثام تتراكم على قلبه حتى لا يعود من الممكن تطهيره، لأن كل معصية يقترفها الإنسان تجعل حجاباً من الظلمة على قلبه، كالنَفس على المرآة يُعتم على صفوها.

وإذا تراكمت الذنوب على القلب زادته  اسودادا حتى يصبح طبقة صلبة، بحيث يطبع عليه ولا تعد له قدرة على استيعاب الحق أو القبول به.. أي أنه يفقد على أثر تراكم الذنوب صفاءه ونقاءه.

أجل، مثل هذا القلب يسمى في الروايات بالقلب المنكوس أو القلب الأسود.. قال الإمام الباقر عليه السلام : " ما من شيء أفسد للقلب من خطيئته، إن القلب ليواقع الخطيئة فلا تزال به حتى تغلب فتصير أعلاه أسفله". و قال في حديث آخر: " لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً".

و هذا يدل على أن صاحب مثل هذا القلب لا يكف عن ذنوبه ولا يتوب منها، وإذا قال بلسانه: تبت، فهو مجرد كلام يجري على لسانه، ولا يترتب عليه أي أثر، وهو كمن يدعي أنه غسل ثيابه ؛ فمثل هذا الادعاء لا يؤدي إلى طهارة ثيابه أبداً. وقد يكون شخصاً كهذا على درجة من اللامبالاة في دينه حتى أن أساس إيمانه يكون عرضة للخطر، وتنتهي عاقبته إلى الشر.

قال الشاعر:

مضى أمسك الباقي شهيداً معدلاً            وأصبحت في يومٍ عليك شهيد

فإن كنت بالأمس اقترفت إساءةً              فثنبإحسان وأنت حميد

و لا تُرجِ فعل الخير يوماً إلى غد              لعل غداً يأتي وأنت فقيد

 

ولكن لو أخر التوبة فإن الله تعالى برحمته ترك له باب التوبة مفتوحاً حتى آخر لحظات عمره, وقد جاء في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من تاب قبل موته بسنة قبلَ الله توبته، ثم قال: إن السنة لكثيرة، من تاب قبل موته بشهر قبلَ الله توبته،ثم قال: "إن يوماً لكثير، من تاب قَبْلَ أن يعاين قَبِلَ الله توبته".