مجالات الصدق (10)

الشيخ دعموش في الحديث الرمضاني 22-6-2016: الصدق في القول واجب عقلائي وإجتماعي لأنه لا تنتظم حياة الناس بدونه.2- الصدق في القول:الصدق أساساً هو صفة من صفات الأقوال, ويتصف به اللسان فيقال: لسان صادق, وصادق اللهجة, وصادق القول.

ولذلك الصدق في القول يوجب على الإنسان المؤمن أن يحفظ لسانه فلا يتكلم إلا بصدق,  ولا ينطق إلا بحق، ولا يتحدث إلا عن علم ومعرفة, لأن الصدق في بعض تعاريفه: هو الكلام الصادر عن علم بوقوع مؤداه, فكل من اخبر بشيء مطابقاً لعلمه كان صادقاً وإن لم يكن ذلك الشيء كما علم به أو أخبر عنه في الواقع, والكذب هو الكلام بدون علم, فكل من أخبر بشيء من دون علم فهو كاذب, قال تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا ﴾.

وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾،

وعن النَّبِيِّ (ص) قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».

أ-والصدق في القول مطلوب وواجب داخل الاسرة, الزوج يجب أن يكون صادقاً مع زوجته وأولاده, والزوجة مع زوجها وأولادها, فاذا وجد الصدق في البيت تحققت إيجابيتان: الأولى: تعززت الثقة والثانية: نشأ الاطفال صادقين.

ولذلك يجب ان نرفق بالأولاد عندما يخطئون لأن الاسلوب القاصي والعنفي الذي يستخدمه الاباء عند صدور الخطأ من أولادهم قد يُلجىء الأولاد الى الكذب من أجل التخلص من العقاب, وهذا يجعل الأولاد يعتادون على الكذب ويرتاحون له خصوصاً عندما يظنون انهم استطاعوا خداع الاخرين والظهور بالبراءة أمامهم عن طريق الكذب.

ب-  الصدق في القول مطلوب وواجب في المعاملات المالية والتجارية وعند البيع والشراء وعند إبرام سائر العقود التي يتداولها الناس. فاذا لم يكن هناك صدق في المعاملات والبيع والشراء وانتشر الكذب والخداع والإحتيال واللعب بمصالح الناس يختل النظام الإجتماعي العام للناس وتتوقف المعاملات وتنعدم الثقة .

التعاون بين الناس وأفراد المجتمع هو ضرورة يفرضها الإجتماع الإنساني, فالناس يحتاجون لبعضهم البعض, ويستعينون ببعضهم البعض, ويلجأون الى بعضهم البعض, ولا يحصل التعاون والتفاهم بين الناس إلا بصدق القول.

اليوم  نتيجة انتشار الكذب في المعاملات وعدم الصدق في الوعود يفقد الكثيرون زبائنهم ومصداقيتهم, وبالتالي يفقدون مصالحم لأن الناس تتجنب التعامل معهم .

هناك أيضا الكثير من الخلافات التجارية والمالية التي تقع بين الناس ناشئة عن عدم الصدق, لان الناس لم تصدق في تعاملاتها مع بعضها.

 اذن الصدق في القول مطلوب وواجب ليس دينياً وأخلاقياً فقط بل واجب عقلائي وإجتماعي أيضاً, لأنه لا تنتظم حياة الناس بدونه.

ج-والصدق في القول مطلوب وواجب في موضوع الشهادة, والتقييم وتزكية الأشخاص وغيرها، كما قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ النساء: 135.

د-والصدق في القول مطلوب وواجب أيضاً في نقل الأخبار؛ سواء كان الناقل شخصاً أو وسيلة إعلامية مجلة جريدة إذاعة تلفزيون أنترنت أو وسائل إتصال حديثة, وهذا يتطلب من الناقل التثبت فيما يقال واجتناب الظنون والأوهام والإشاعات والأقاويل والخبريات التي ترمى هنا وهناك، والحذر من التحدث بكل ما يسمع ونشر كل ما يكتب وينقل خصوصاً عبر وسائل التواصل الإجتماعي ولا سيما عبر الفايس بوك والواتس أب. فعن رَسُولُ اللَّهِ (ص) كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ».

ه- والصدق مطلوب في تدوين التاريخ, وتوثيق الوقائع والاحداث, وخصوصاً الأحداث التي هي عرضة للتحريف والتزوير, ولدى البعض مصلحة فيها في قلب الحقائق, حيث يكثر الكذب فيها لمصالح ذاتية وسياسية واجتماعية وطائفية وغير ذلك.

و- والصدق في تأدية الأعمال والحقوق: بأن يتقن الإنسان كل عمل يقوم به وكل مسؤولية يتحملها، وأن يؤدي أعماله بشكل صادق وأمين, وأن يوفي  بحقوق العمل كاملة وكما هو مطلوب، فلا بخس ولا غش ولا خداع ولا احتيال ولا تلاعب بدوامات العمل او بغيرها. فبهذا يؤدي الانسان المؤمن عمله على خير وجه، ويحسن إلى نفسه فلا يلحقه تبعة في عمله، ويحسن إلى الآخرين باعطائهم حقوقهم.

عَنْ النَّبِيَّ (صَ)قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ».

وعَنْه (ص) قَالَ : مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا

 

ز- الصدق في القول مطلوب في كل الاحوال والأوضاع والظروف, ولا ينبغي أن يظن الانسان أنه يمكنه أن يحصل على الخير أو النجاة عن طريق الكذب.

ربما بعض الاحيان يظن الانسان ويتوهم أن الصدق يضره فيلجأ الى الكذب بينما بالواقع هو ينفعه, أو يظن أن الكذب ينفعه بينما في الواقع يضره.

ولذلك ورد في قول بعض الحكماء: عليك بالصدق حيث تعلم أنه يضرك فانه ينفعك, وإياك والكذب حيث ترى أنه ينفعك فإنه يضرك.

يقال: إن الحجاج بن يوسف خطب ذات مرة فاطال, فقام رجل وخاطب الحجاج وقال: الصلاة, فإن الوقت لا ينتظرك, والرب لا يعذرك, فأمر الحجاج بحبسه, فجاء قومه الى الحجاج يتوسطون له وقالوا للحجاج: هذا الرجل مجنون فخلي سبيله, فقال الحجاج لهم: إن أقرّ هو بالجنون خليت سبيله, فجاءوا الى الرجل فاخبروه أنه اذا أقر بالجنون سيخلى سبيلك, فقال: معاذ الله, لا أزعم أن الله ابتلاني وقد عافاني. فاخبروا الحجاج بما قال الرجل, فاعجب بصدقه وعفى عنه لصدقه.

هنا  كان يعلم  بان الصدق وعدم الجوء الى الكذب قد يبقيه في السجن, لكن لأنه أصر على قول الصدق فان الصدق أنقذه وهو يرى أنه قد يضره.

فالصدق حتى لو تعلم أنه يضرك فانه ينفعك, والكذب حى لو ترى أنه ينفعك فإنه يضرك.

 

                                                                                      والحمد لله رب العالمين