فوائد الأمانة ودوافع الخيانة (7)

الشيخ دعموش في الحديث الرمضاني 16-6-2016: من يخونون الأمانة مبتلون بضيق الأفق ولا يفكّرون إلا بمصالحهم الشخصية.من أهمّ فوائد أداء الأمانة على المستوى الاجتماعي هو:1-كسب ثقة النّاس: فالشخص الذي يُعرف بأنه مؤتمن يحمل الأمانة ويحفظها ويؤديها الى أصحابها, 

يصبح محل إعتماد الناس وثقتهم واطمئنانهم, لأن الحياة الاجتماعيّة مبنيّة على أساس التعاون والثقة المتبادلة بين أفراد المجتمع, فلو انعدمت الثقة بين الناس ولم يعد أحد يثق بأحد لتفككت العلاقات والروابط بين الناس ولحلّ التنافر التكاتف والتعاون.

 

 2- الهدوء والسكينة والراحة النفسية: فإنّه إذا سادت الأمانة في المجتمع  وكان أفراده يراعون أمانات بعضهم البعض ويحفظونها, فإنّ ذلك سيكون سبباً لمزيد من الإستقرار النفسي والإجتماعي، لأنّ مجرّد احتمال الخيانة يُسبّب القلق والخوف للأفراد بحيث يعيشون حالة من الإرباك في علاقاتهم مع الآخرين ومن الخطر المحتمل الّذي ينتظر أموالهمأوأسرارهم أو أشياءهم.

من هنا جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أسباب صيانة الأمّة الإسلاميّة أداء الأمانة قال (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تزال أمّتي بخير ما تحابّوا وتهادوا وأدّوا الأمانة واجتنبوا الحرام ووقّروا الضيف وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإذا لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط والسّنين.
القحط الجفاف والسّنين الأرض التي لا تنبت.

 

3-مضاعفة الرزق: فإنّه من عُرف بالأمانة والصدق كثُر من يتعامل معه في تجاراته ومعاملاته ممّا يؤدّي إلى تضاعف رزق. فقد ورد عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال: "الأمانة تَجُرُّ الرِّزقَ، وَالخِيانَةُ تَجُرّ الفقر.

 

من هنا قال لقمان لابنه: "يا بُنيّ، أدِّ الإمانة تسلم لك دنياك وأخرتك، وكُن أميناً تكن غنيّاً.

والمؤمن يجب أن يكون فطناً وواعياً وحذراً ومنتبهاً، ينبغي أن يتعامل مع أهل الأمانة ويحذر من أهل الخيانة، ولا يكن بسيطاً يأتمن أيّاً كان، ومن هنا جاء التحذير من التعامل مع بعض أصناف الناس:

1-الخائن: فلا ينبغي أن تأمن الخائن غير الأمين, خصوصاً المجرب في تعامله وفي إسائته لأمانات الناس , فلا تأمنه لا على مال ولا على عرض ولا على سر ولا على معاملة, فعن النبيّ( صلى الله عليه وآله وسلم: "(من ائتمن غير أمين فليس له على الله ضمان, لأنّه قد نهاه أن يأتمنه.

2-شارب الخمر: فإذا كنت تعلم بأن هذا الشخص شارب للخمر فلا ينبغي أن تأتمنه على شيء, فعن النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم: "(من ائتمن شارب الخمر على أمانة بعد علمه، فليس له على الله ضمان ولا أجر له ولا خلف.يعني أن الله لايعطيه أجراً ولا يعوض عليه ماله وأمانته.


3-الكذاب ومن يخلف الوعد: فعن الإمام الباقر (عليه السلام): "من عرف من عبد من عبيد الله كذباً إذا حدّث وخلفاً إذا وعد وخيانة إذا ائتمن ثمّ ائتمنه على أمانة، كان حقّاً على الله تعالى أن يبتليه فيها ثمّ لا يخلف عليه ولا يأجره.

 

دوافع الخيانة

وفي مقابل الأمانة توجد الخيانة, وخيانة الأمانة سواء بالتهاون والتفريط بها والتقصير بحفظها أو بالتصرف فيها أو بإنكارها وسلبها هي من المعاصي والذنوب الكبيرة,وهيتُودي بالإنسان في مهاوي سحيقة في الدنيا والآخرة.يقول تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ) الأنفال آية 27

ويكفي في ذمّ الخيانة ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام:رأس الكفر الخيانة.

وعنه(ع): رأس النفاق الخيانة.

وعنه(ع): جانبوا الخيانة فإنّها مجانبة الإسلام.

ولأن الخيانة معصية كبيرة, فإن الشيطان يجهد ليضلّ الإنسان ويوقعه فيها، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "من أؤتمن على أمانة فأدّاها فقد حلّ ألف عُقدة من عُقد النار، فبادروا بأداء الأمانة، فإنّ من أؤتمن على أمانة وكّل به إبليس مئة شيطان من مردة أعوانه, ليُضلّوه ويوسوسوا إليه حتّى يُهلكوه, إلّا من عصم الله عزّ وجلّ.

إن أغلب الأشخاص الّذين يقعون تحت تأثير وساوس الشيطان ويخونون الأمانة هم مبتلون بضيق الأفق, ولا يفكّرون إلا في مصالحهم الشخصية، وفي المنافع العاجلة فقط التي يمكن أن يحصلوا عليها جراء الخيانة, لأنّ الخيانة قد توفّر لهم في الكثير من موارد هذه المنافع العاجلة، وتُحقّق لهم بعض المصالح الفرديّة على حساب الصدق والوفاء والسمعة الطيّبة، وهؤلاء لا يفكّرون في العواقب الوخيمة لهذا السلوك في الدنيا والآخرة, فهؤلاء وبسبب ضعف الإيمان، وعدم الالتفات إلى أن الله سبحانه وتعالى هو الذي تكفل برزق الناس، ووعد من يعيش الأمانة والصدق منهم بالثواب في الدنيا والآخرة، فإنّهم قد سقطوا في فخاخ الشيطان وارتكبوا خيانة الأمانة.

ويُمكن اختصار دوافع الخيانة بالأمور التالية:


1-ضعف الإيمان بالله واليوم الآخر.


2- غلبة الشهوات والأهواء وحبّ الدنيا.


3- سيطرة الطمع على الإنسان والخوف الدائم من تفويت الأرباح أو الوقوع في الفقر..


4- عدم التفكّير الجدي في نتائج وعواقب الخيانة، والغفلة عن آثارها الوخيمة على الحياة المادّيّة والمعنويّة للإنسان.


5- السعي والعمل لتحصيل المال والأرباح بطرق غير مشروعة، بسبب الكسل وحبّ الراحة وضعف الإرادة وحالة الخمول التي يعيشها البعض.

 

طرق الوقاية والعلاج

 

لذلك  من الأسباب والعوامل المهمّة في الوقاية من التورّط بالخيانة، التفكّر في عواقبها الوخيمة في الدنيا والآخرة، وما يترتّب عليها من فضيحة وحرمان وزوال الثقة وماء الوجه أمام الله وأمام الناس ، وبالتالي الابتلاء بالفقر الذي كان يسعى الشخص بالأساس إلى الفرار منه.

ومن المعلوم أنّ التأمل في هذه النتائج والعواقب السلبيّة لسلوك طريق الخيانة، سوف يضعف الدافع في الإنسان لارتكابها، كأن يتأمّل ويتفكّر في كلام رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في حديثه عن بعض عناصر الشر وعوامل الانحراف، حيث يقول(ص): أَربَعٌ لا تَدخُل بَيتاً وِاحُدَة مِنهُنَّ إلاّ خَرَبَ وَلَم يَعمُرْ بِالبَرَكَةِ: الخِيانَة والسَّرقَةُ وَشُربُ الخَمرِ والزِّنـا.

ومن المعلوم أنّ المجتمع الذي يعيش أحد هذه العناصر الأربعة أو كلّها فإنّه يكون مصداقاً لهذا الحكم النبوي، وسوف يخلو من البركة، وبالتالي يُصيبهالخرابوالدمار.

وفي النهاية، يبقى أنّ العلاج النهائي لهذه الآفة يكمن بأخذ المبادرة والقرار، بقوّة وعزم وإرادة على ترك هذا السلوك السيء، من خلال المخالفة الدائمة للنفس، وإرغامها على الصدق والأمانة فترة من الزمن، حتى تُقتلع جذور هذه الآفة من النفس بالصبر والتقوى الكاملة والتوكّل على الله، على القاعدة التي سنّها أمير المؤمنين علي عليه السلام، عندما قال: وإنّما هي نفسي أروّضها بالتقوى, لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر.

                                                                                 والحمد لله رب العالمين