الرفق ولين الجانب (5)

الشيخ دعموش في الحديث الرمضاني 14-6-2016: التحلي بالمرونة والرفق والابتعاد عن القسوة والعنف في شهر رمضان مطلوب أكثر من أي زمن آخر. من الخصال الأخلاقية التي يجب أن تحكم سلوكنا عندما  نتعامل مع الآخرين: اللين, والمرونة, والرفق بالآخرين ومداراتهم.

 وهي كلها صفات تحمل معنى واحداً, ومدلولاً واحداً, ومغزى واحداً, ومعناها: أن يكون الشخص عندما يتعاطى مع الآخرين أياً كان الآخرون وأياً كان مجال التعاطي وفي أي شأن من الشؤون..

 أن يكون هَادِئاً ، لَطِيف الْمُعَاشَرَةِ، نَاعِماً, لَيِّنَ الطَّبْعِ, سهل التعامل , سَلِس الخُلُق، سَمْح, وليس فظاً أو غليظاً أو قاسياً أو شديداً أو صعباً أو حاداً.

 

 

 أن يكون ليّنَ الجانب بالقول، والفعل، وأن يداري الناس، ويأخذ الأمور بلطف ويسر بعيداً عن التعقيد والعربسة.

ومعنى أن يكون الإنسان رفيقاً ولّين الجانب بالقول: أن يكون هادئاً في كلامه, اذا تحدث مع الناس يتحدث بلطف وهدوء وصوت عادي, وليس بشدة أو بصراخ أو بعجرفة أو تكبر, ينتقي كلماته ولا يقول جزافاً أو فحشاً أو كلاماً بذيئاً أو مُهيناً, لأن البعض قد يسترسل بالكلام فيتحدث بكل ما يخطر في باله ويمر على لسانه حتى ولو كان بذيئاً أو غير مناسب.

ولين الجانب بالفعل: يعني عندما يتصرف مع الناس ويتعامل معهم يتصرف بهدوء ولطف, وليس بشدة وعنف, يكون سلساً مع الناس, سهل التعامل, يختار الأسلوب وطريقة التعامل المناسبة والمحترمة مع الآخرين, ويبتعد عن التعنيف والشدة والغلظة , حتى لو أخطىء أحدهم أمامه أو أساء اليه أحد أو استفزه أحد يكون سمحاً وليس فظاً أو عنيفاً.

هكذا يكون عندما يتعامل في داخل بيته مع زوجته وأولاده, وهكذا يكون عندما يتعامل مع أقربائه وأصدقائه وأصحابه وجيرانه وأبناء مجتمعه, وهكذا يكون مع شركائه وزملائه في العمل, وهكذا يتعامل مع أبناء دينه وطائفته ومذهبه ومع غيرهم ممن هم ليسوا على دينه ومذهبه, وهكذا يكون حتى مع أعدائه وخصومه,لأن البعض قد يظن بأن من هو على غير دينه يمكنه أن يضر به ويقسو عليه ولا يتعامل معه بالرفق والاحسان ولكن هذا غير صحيح فالله تعالى يقول: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ, إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.

 وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن أيضاً عندما يدعو الناس الى الله, او عندما يأمر بالمعروف وينهى عن النكر, أو عندما يريد أن يعلم الآخرين أو ينصحهم ويرشدهم, أن يكون اسلوبه وطريقته ومنهجه في التعامل مع كل الناس, الرفق واللين وليس الشدة والعنف والقسوة. لأن البعض قد يكون عنيفاً فيعتدي ويضرب ويكسر, وقد يسحب السلاح في وجه الآخرين ويطلق النار, ويتحول الى شخص شرير في بيته ومع جيرانه وفي الشارع, يرعب الناس ويخيفهم.

 روي عَنِ النَّبِيِّ (ص) أنه قَالَ: حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنَ النَّاسِ.

وهذه الصفة صفة اللين والرفق هي من الصفات العظيمة، وهي تدل على وجود الرحمة في قلب الإنسان، لأن الرحمة هي التي تدفع الإنسان كي يكون ليناً ومرناً ورقيقاً يرفق بالناس ويتعامل معهم بلطف ومودة.

وقد كانت هذه الصفة من أبرز صفات النبي(ص) الأخلاقية والسلوكية التي كان يتعاطى بها مع الناس والتي استقطب من خلالها الناس اليه والى رسالته.ورحمة النبي(ص) هي التي دفعته الى هذا السلوك, يقول الله مخاطباُ نبيه(ص)﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُم ْولَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾.

وقال سبحانه مخاطبًا الرسول أيضاً): وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(الشعراء: 215 أي: ارفق بهم وألن جانبك لهم,حتى عندما تريد أن تدعو الطغاة والمستكبرين أن تدعوهم برفق ولين,كما قال تعالى لموسى وهارون عندما ارسلهما ليدعوا فرعون الى الله:) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى(طه: 43-44.لأنَّ القول اللين يجذب الآخر، والقول الخشن والغليظ ينفر الآخر .

هذا الخلق نتعلمه من نبي الرحمة (ص) الذي كان الرفق واللين عنده سلوكاً ومنهجاً يتعامل به مع الجميع.

فقد دخل أعرابي في الإسلام وجاء ليصلي مع النبي(ص) في المسجد، فوقف في جانب المسجد، وتبول، فقام إليه الصحابة، وأرادوا أن يضربوه، فقال لهم النبي (ص): (دعوه، وأريقوا على بوله ذَنوبًا من ماء (دلو كبير), فإنما بعثتم مُيسِّرِين، ولم تبعثوا مُعَسِّرين).

وفي قصَّة أخرى: عن أنس بن مالك قال: كنت أمشي مع رسول الله (ص)، وعليه بردٌ نجرانيٌّ غليظ الحاشية(كساء يلتحف به يشبه القميص)، فأدركه أعرابيٌّ، فجبذه  (أي جذبه وشده) بردائه جبْذَةً شديدةً، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله (ص) قد أثَّرت بها حاشية البُرْد مِن شدَّة جَبْذَته(العاتق ما بين المنكب والعنق أي ظهر الكتف) ، ثمَّ قال:يا محمَّد! مُرْ لي مِن مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله (ص)ثمَّ ضحك، ثمَّ أمر له بعطاء.

وفي قصة ثالثة: من المعروف أن اليهود خططوا لعدة محاولات لاغتيال النبي(ص) وبالرغم من ذلك لما طلب وفد منهم اللقاء بالنبي(ص) في بيته استقبلهم, وأثناء دخولهمقالوا: السام عليكم.(ومعنى السام عليكم الموت لكم, فهم يحاولون اغتياله ثم يزورونه وأثناء الزيارة يدعون عليه بالموت.. وقاحة ما بعدها وقاحة..) ومع ذلك فإن النبي(ص) ابتسم وردّ عليهم قائلاً: وعليكم.. وكانت عائشة واقفة ففهمت معنى الكلمة فقالت: عليكم السام ولعنكم الله وغضب الله عليكم. فقال النبي(ص): مهلًا يا عائشة، عليك بالرِّفق وإياك والعنف والفحش. قالت: أولم تسمع ما قالوا؟ قال: أولم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم بكلمة : وعليكم.. وأنا يُستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم فيّ.

هذا اللين .. وهذه هي الصفة التي يصف بها الامام الحسن(ع) رسول الله(ص): كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (ص)دَائِمَ الْبِشْرِ ، سَهْلَ الْخُلُقِ ، لَيِّنَ الْجَانِبِ ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلا غَلِيظٍ ، وَلا صَخَّابٍ وَلا فَحَّاشٍ .  

بعض النَّاس قد يظن أنَّ التعامل بلين ورفق مع الناس يجعل الناس تستغلك أو تركب على ظهرك(ويصتوطو حيطك) أو يستلزم منك أن تكون كما يشتهي الناس وكما يريدون، أو يقتضي منك أحياناً أن تترك المطالبة بحقك او السكوت عنه او التساهل فيه, ولكن الأمر ليس  كذلك، فالرِّفق واللين ليس معناه ان تكون كما يريد الناس أو أن تتنازل عن حقوقك, بل اللين يعني أن ترفق بالناس وتصبر عليهم ولا تعنفهم أو تتعامل معهم بفظاظة وقسوة وأنت تطالب بحقوقك, لأنك بهذا الأسلوب لا تحصل على حقك,  فإن أقصر الطرق للحصول عل حقوك من الآخرين أن تطالبهم برفق ولين وأن تبتعد عن التعنيف والشدة التي تعقد الأمور.   

ومن لا يرفق بالناس لا يحصل على حقه ولا على الخير, كما في الحديث عن النبي(ص): من يحرم الرفق يحرم الخير.

وفي حديث آخر عنه (ص)قالإنَّ الرِّفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه .

وفي شهر رمضان يصبح التحلي بالمرونة ورقة القلب والرفق والابتعاد عن القسوة والحدّية والعنف والجفاء وسرعة الغضب والانفعال أكثر مطلوبية والزاماً ويتأكد في هذا الشهر أكثر من أي زمن آخر.

الامام علي بن الحسين زين العابدين(ع) يقول في بعض أدعية شهر رمضان:اَللّـهُمَّ صَلّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، واَذْهِبْ عَنّي فيهِ النُّعاسَ وَالْكَسَلَ وَالسَّامَةَ وَالْفَتْرَةَ وَالْقَسْوَةَ ..

                                                                         

                                                                                  والحمد لله رب العالمين