سوء الخلق ذنب لا يغتفر(3)

 الشيخ دعموش في الحديث الرمضاني اليومي 9-6-2016: سوء معاملة الآخرين من أكبرالمعاصي والذنوب.كما أن حسن الخلق وسيلة من وسائل التقرب الى الله ونيل رضاه, فإن سوء الخلق ومفرداته ومصاديقه وسيلة من وسائل البعد عن الله وتوجب غضبه وسخطه, تماماً كما هي المحرمات والذنوب والمعاصي وسيلة من وسائل البعد عن الله وتوجب سخطه وغضبه.

 

ومظاهر سوء الخلق وسوء معاملة الآخرين كثيرة منها: التعامل بقسوة وغلظة وفظاظة مع الآخرين, والعبوس بوجهم , وسرعة الغضب , والتكبر على الناس,والسخرية من الآخرين, وسبهم وإهانتهم, والغيبة, والنميمة, والتجسس على الناس,  وإساءةالظن بهم, وإفشاء أسرارهم, والحقد,  وقلة الحياء,والكذب, وسوء التعامل مع الوالدين ومع الزوجة,وسوء معاملة الخدم والعمال,وسوء الأدب مع الجيران والزملاء في العمل وغير ذلك, وهذه كلها من موجبات غضب الله وسخطه وعدم رضاه.

المتدين عادة يخاف من الوقوع في المعاصي والذنوب ويتجنب غضب الله وسخطه،  ويحذر ويخاف ترك الواجبات والفرائض, يخاف ارتكاب المعاصي الفردية مثل شرب الخمر ولعب القمار والزنا, واذا كان المؤمن يخاف من الوقوع في الآثام والمحرمات, فعليه أن يعلم أن ذلك لا يقتصر على ترك الواجبات العبادية أو ارتكاب الآثام الشخصية والفردية ، بل إن سوء معاملة الآخرين قريبين كانوا أم بعيدين من أكبرالمعاصي والذنوب.

وهذا ما تؤكد عليه بعض الأحاديث:

    - فعن النبي (ص): (سوء الخلق ذنب لا يغتفر).

    - وعنه (ص): إنّ العبد ليبلغ من سوء خُلقه أسفل درك جهنّم.

    - وقيل لرسول الله (ص): إن فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وهي سيئة الخلق تؤذي جيرانها بلسانها. فقال (ص): لا خير فيها هي من أهل النار.

- وعن أمير المؤمنين (ع) أنّه قال: "من ساء خلقه أعوزه الصديق والرفيق.

اي ان سوء الخلق مع الناس يجعلك تفقد اصدقائك وينفر الناس من حولك ويجعلك عاجزاً عن كسب الاصدقاء. 

وقال (ع) : من ساء خلقه ضاق رزقه

قصة سعد

ولنقرا قصة سعد بن معاذ الذي كان واحداً من صحابة النبي(ص) وهو سيد الأوس وزعيمها وكان من أوائل من أسلموا على يدي رسول رسول الله الى المدينة  مصعب بن عمير .

 ولسعد مواقف مشرفة في بدر وأحد ، وكان النبي(ص) قد دعا له في بدر، ودعا لنساءه ونساء المدينة بعد أن جاء بهن سعد الى بيت النبي(ص) للبكاء على حمزة عم النبي(ص) بعد استشهاده في أحد .

 وكان سعد كثير الذكر لله تعالى وقراءةً للقرآن ، فعن أبي عبدالله (ع) أن النبي (ص) صلى على سعد بن معاذ فقال:

 لقد وافى من الملائكة سبعون ألفا وفيهم جبرئيل (ع) يصلون عليه فقلت له: يا جبرئيل بما يستحق صلاتكم عليه؟ فقال: بقراء ته قل هو الله أحد قائما وقاعدا وراكبا وماشيا وذاهبا وجائيا". الكافي الكليني : ج 2 / ص 623

ومع هذا كله فان هذا الصحابي لم ينجُ من عذاب القبر بالرغم من منزلته الجليلة، وهذه قصته:كما يرويها الامام الصادق (ع):

لما مات سعد بن معاذ أمر رسول الله بغسله وهو قائم على عضادة الباب فلما حُنط وكُفّن وحمل على سريره، مشى رسول الله (ص) وراء جنازته بلا حذاء ولا رداء، ثم كان يأخذ يمنة السرير مرة, ويسرة السرير مرة, حتى انتهى به إلى القبر, فنزل رسول الله (ص) الى قبره حتى لحده وسوى عليه اللبن، وجعل يقول: ناولني حجراً، ناولني تراباً رطباً ، يسد به ما بين اللبن.

 فلما أن فرغ وحثا التراب عليه وسوى قبره قال رسول الله (ص):

 إني لاعلم أنه سيبلى ويصل إليه البلى، ولكن الله عزوجل يحب عبداً إذا عمل عملاً فأحكمه"
فلما أن سوى التربة عليه قالت أم سعد من جانب: هنيئا لك الجنة,فقال رسول الله (ص):  يا أم سعد مه ! لا تجزمي على ربك، فان سعداً قد أصابته ضمة.

قال: فرجع رسول الله (ص) ورجع الناس فقالوا: يا رسول الله لقد رأيناك صنعت على سعد ما لم تصنعه على أحد, إنك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء ! فقال (ص): إن الملائكة كانت بلا حذاء ولا رداء، فتأسيت بها,قالوا: وكنت تأخذ يمنة السرير مرة ويسرة السرير مرة، فقال (ص):  كانت يدي في يد جبرئيل آخذ حيث ما أخذ,فقالوا: أمرت بغسله وصليت على جنازته، ولحدته، ثم قلت: إن سعداً اصابته ضمة، فقال (ص): نعم, إنه كان في خلقه مع أهله سوء.

إذا كان هذا هو حال سعد وهو الذي يملك كل ذلك الرصيد فما حالنا نحن الذين لا نملك اي رصيد من الثواب؟، بل إن صحائفنا مملؤة بالمعاصي ، وظهورنا مثقلة بالذنوب ؟!!

ليس لنا الا إصلاح أمورنا, والإكثار من الإستغفار والتوبة واللجوء الى الله سبحانه وطلب العفو منه والتوسل اليه بالنبي(ص) وآله الطاهرين والإكثار من الصلاة على محمد وآل محمد, كما قال النبي(ص): ومَنْ أَكْثَرَ فِيهِ مِنَ الصَّلاةِ عَلَيَّ، ثَقَّلَ اللَّهُ مِيزَانَهُ يَوْمَ تَخِفُّ الْمَوَازِينُ.والحمد لله رب العالمين.