الشيخ دعموش في الحديث الرمضاني اليومي 18-6-2015: شهر رمضان يحمل العطايا لكل الناس الذين يحسنون الاستفادة منه.

الخطبة المشهورة للنبي (ص) في استقبال شهر رمضان والتي ألقاها النبي (ص) في آخر جمعة من شهر شعبانرواها الشيخ الجليل الصدوق في كتابه عيون الأخبار، ومطلعها: (أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والمغفرة والرحمة..)

ولأهمية هذه الخطبة وجلالة مضامينها سوف نتناول خلال هذا الشهر المبارك فقراتها بالشرح والتحليل لندرك معاني ومفاهيم وقيم هذه الخطبة العظيمة.

يقول النبي (ص): (أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والمغفرة والرحمة).

(أيها الناس): خطاب ونداء موجه إلى عامة الناس وليس إلى خصوص المسلمين، فلم يقل أيها المسلمون, وإنما قال أيها الناس, من أجل أن يلفت إلى أن شهر رمضان يحمل العطايا لكل الناس الذين يحسنون الاستفادة منه، وليس لخصوص المسلمين.. لأن الإسلام رسالة عالمية, ورسول الله (ص) بُعث لكل الناس، وبالتالي فإن دعوته وهدايته وعطاياه ليست خاصة بالمسلمين وإنما هي عامة وشاملة لغيرهم من الطوائف الأخرى, فخطابه هنا خطاب عام للإيحاء بأن ما يحمله شهر رمضان من خير ونعم وبركات ليس خاصاً بالمسلمين وإنما يشمل غيرهم من أتباع الديانات الأخرى أيضاً.

(إنه قد أقبل إليكم): شهر رمضان هو الذي يُقبل على الصائمين، بينما الإنسان المؤمن في بقية العبادات هو المقبل على العبادة، فهو الذي يقبل على الصلاة ويؤديها، وهو الذي يذهب إلى الحج من أجل أداء المناسك التي افترضها الله عليه وهكذا.. بينما عندما يتحدث النبي (ص) عن شهر رمضان يقول: (قد أقبل إليكم) وإقبال الشيء على الشيء فرع الاشتياق له والرغبة في لقائه، فكأن شهر رمضان يشتاق إلينا ويرغب في لقائنا ويتحين الفرصة للقاء بنا في هذه الأيام المباركة.

(شهر الله): لشهر رمضان أسماء عديدة منها: شهر الله, وشهر الله الأكبر, وشهر الاستغفار, وشهر التوبة, وشهر ضيافة الله, وشهر القرآن, وشهر الصيام, وشهر الإسلام, وشهر العتق من النار, وشهر البركة, وشهر المغفرة.. الخ..

وكل هذا الحشد من الأسماء إنما يشير إلى جلالة وعظمة وفضل هذا الشهر المبارك ودوره في صياغة وبناء الشخصية الإيمانية.

 

وقد اختار النبي (ص) في هذا المقطع من الخطبة من بين كل الأسماء اسم (شهر الله) ونسب من بين كل الشهور هذا الشهر المبارك إليه, وذلك لما لهذا الشهر من قيمة خاصة عند الله سبحانه، فهو الشهر الذي يقدر فيه الآجال, ويحدد فيه الأرزاق, وهو الشهر الذي أنزل فيه أعظم كتاب سماوي هو القرآن, وجعل فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر, وهو شهر الصيام والعبادة والطاعة.. فهو شهر عظيم جليل له عناية خاصة عند الله سبحانه وتعالى, ولذلك اختاره إليه ونسبه إلى نفسه من بين سائر الشهور. وقد ورد في الحديث القدسي المأثور: الصوم لي وأنا أجزي به.

(بالبركة والمغفرة والرحمة): لقد أقبل إليكم شهر الله, شهر رمضان, بالعطايا والهدايا والهبات والبركات, وأول العطايا التي جاء بها هي البركة والمغفرة والرحمة من الله سبحانه.

البركة: هي الخير والعطاء النامي والزائد, فشهر رمضان هو شهر البركة, شهر العطاء الواسع والكثير, شهر الخير الذي ينمو ويزيد ويتطور ويتكاثر باستمرار.. لأن شهر رمضان امتاز عن سائر الشهور بأن جعل الله أجر العمل الصالح فيه مضاعفاً, وثواب الطاعات فيه نامياً وزائداً وجزيلاً, فكل عمل يصدر من الإنسان في شهر رمضان يكون مضاعفاً, سواء كان عملاً عبادياً أو عملاً صالحاً, فأجر الصلاة في شهر رمضان مضاعف, وأجر قراءة القرآن مضاعفة, وأجر الإصلاح بين الآخرين مضاعفاً, وكذلك أجر الصدقة.. وهكذا سائر العبادات والطاعات والأعمال الصالحات.

ولذلك ورد في الأحاديث أن شهر رمضان شهر يضاعف الله فيه الحسنات ويمحو فيه السيئات, ويرفع فيه الدرجات، وانه من قرأ فيه آية من القرآن كان كمن ختم القرآن في غيره من الشهور، ومن تصدق فيه بصدقة غفر الله له, ومن أحسن فيه إلى ما ملكت يمينه غفر الله له, ومن حسن فيه خلقه غفر الله له, ومن ضحك في وجه أخيه المؤمن لم يلقه يوم القيامة إلا ضحك في وجهه وبشره بالجنة، ومن أعان فيه مؤمناً أعانه الله تعالى على الجواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام، ومن كف فيه غضبه كف الله عنه غضبه يوم القيامة، ومن أغاث فيه ملهوفاً آمنه الله من الفزع الأكبر يوم القيامة، ومن نصر فيه مظلوماً نصره الله على كل من عاداه في الدنيا ونصره يوم القيامة عند الحساب والميزان.

إن كل ذلك يدل على أن شهر رمضان واسع العطاء وكثير البركة من خلال ما يحصل عليه الصائمون فيه من ثواب جزيل على أعمالهم وطاعاتهم, فأي ثواب أعظم بركة من الثواب الذي يحصل عليه الإنسان المؤمن في شهر رمضان؟ وأي بركة أعظم من بركة هذا الشهر الشريف؟

(والمغفرة): ميزة شهر رمضان انه منذ بدايته يأتي بالمغفرة, فالصائم يحصل على مغفرة الله في أول يوم يبدأ فيه صومه، بخلاف بعض العبادات التي لا يحصل فيها الإنسان على المغفرة إلا بعد إتمام العمل، كما في الحج فإن الإنسان يحصل على مغفرة الله ويعود كيوم ولدته أمه خالياً من الذنوب عندما يتم مناسكه وينهي أعماله.

ولذلك ورد في بعض الأحاديث أن الله سبحانه يعتق الملايين من البشر من النار في الليلة الأولى، ويضاعف ذلك في الليلة الثانية, ويضاعف المضاعف في الليلة الثالثة وهكذا...

ولذلك فإن خواص المؤمنين لا يفكرون في شهر رمضان في الحصول على المغفرة لأن المغفرة هي هدية أول الشهر وهي تحصيل حاصل لمن أخلص في صيامه، وإنما معظم تفكيرهم يكون في الحصول على رضوان الله ومقام القرب من الله، فهم يسعون للحصول على ذلك في شهر رمضان، فهنيئاً لمن أقبل عليه شهر الله بالمغفرة في أوله، وضمن الرضوان في آخره.

 

والحمد لله رب العالمين