الإسلام والإلتزام بمنظومة القيم الإلهية

فكرة التوحيد تجعل السلطة المطلقة لله وحده فلا سلطة لأحد غيره، ولله وحده أن يتصرف في المخلوقات وفي الكون والحياة, لأن الولاية له وحده, فهو الخالق وهو الرازق وهو الحاكم وهو القادر وهو العالم وهو على كل شيء قدير وبكل شيء عليم ومحيط, وإليه يعود الأمر كله.

 

خلاصة الخطبة

الشيخ دعموش: تراجع فرص الضربة لسوريا هو فشل ذريع للأمريكي وحلفائه وفشل  لكل الذين راهنوا في الداخل على هذا العدوان.

لفت سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: الى ان هناك من المسلمين من يستجدي أمريكا للتدخل في سوريا والاعتداء عليها, معتبراً ذلك من الخطايا الكبرى.

وقال: لقد جاءت المبادرة الروسية في الأسبوع الماضي كعنصر مفرمل للحرب الذي كان يطبل لها الغرب وعلى رأسه أمريكا ومعه الصهاينة ومجلس التعاون الخليجي, هذه الحرب التي كانت تهدد باشتعال المنطقة كلها.

وشدد: على أن هذه المبادرة من شأنها أن تخلط الأوراق على الصعيد الدولي عموماً والغربي تحديداً لا سيما وأن الكثيرين في الغرب كانوا مترددين وليسوا مقتنعين بالحرب, وقد شهدنا تردد الكثير من الدول وتراجع بعض الدول الأوروبية عن فكرة العدوان.

واعتبر: أن المبادرة الروسية تسحب الذريعة الأساسية التي يتمسك بها الأمريكي للحرب, وهي ذريعة السلاح الكيميائي بعدما أعلنت سوريا رسمياً عن انخراطها في معاهدة حظر السلاح الكيميائي.

ورأى: أن الهدف الأساسي والمركزي للحرب على سوريا كان تدمير سوريا وإضعاف قدراتها, لأن العدوان الذي كان سيحصل لم يكن مجرد ضربة محدودة في الزمان والمكان كما حاول الأمريكي أن يصور للناس مخادعاً ومنافقاً، وإنما يستهدف ضرب البنية التحتية العسكرية للنظام مما سيؤدي إلى إضعاف كبير لقوة النظام.

واعتبر: أن تجنب سوريا لضربة عسكرية ولحرب مدمرة هو مكسب بالغ الأهمية لسوريا ولشعبها, وهو ربح لإيران وحزب الله وكل محور المقاومة في المنطقة, لفشل الأمريكي وحلفائه في تحقيق أهدافهم كاملة والمتمثلة في إخراج سوريا من محور المقاومة في المنطقة وجعلها في المحور المقابل, فالأمريكي لم يتمكن من تحقيق أهدافه الكبرى المتمثلة بإسقاط قدرة وقوة سوريا, كما أن صورته البشعة المتمثلة بعدوانيته وبنزعته إلى شن الحروب وكذبه ونفاقه على الشعوب.. عادت هذه الصورة لتعزز العداء لأمريكا.

وأكد: أن تراجع فرص الضربة هو فشل ذريع للأمريكي وحلفائه من فرنسا إلى الخليج إلى الكيان الصهيوني الذي كان يريد من خلال الحرب إضعاف محور المقاومة, والتأسيس لعمل مماثل مستقبلاً ضد إيران, وهو فشل وخيبة أمل لكل الذين راهنوا في الداخل على هذا العدوان من أجل تحسين وترتيب أوضاعهم الداخلية في السلطة, هو فشل للبعض الذي استجد سيده الرئيس.. بأن يتدخل في سوريا ويعتدي على سوريا.

وختم بالقول: إن المبادرة الروسية التي وافقت عليها دمشق ورحبت بها إيران وتلقفها الأمريكي والغرب عموماً ترجح فرص إلغاء العدوان الأمريكي في الوقت الحاضر لمصلحة حلول تؤدي تدريجياً إلى الحل السياسي للأزمة السورية، لأن الحل السياسي هو الحل الوحيد الذي يمكن أن يخرج سوريا من دوامة القتل والتدمير..

 

نص الخطبة

يقول الله تعالى: [إن الدين عند الله الإسلام]. آل عمران/ 19.

ويقول سبحانه: [ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين]. آل عمران/85.

ويقول سبحانه: [اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً].

ما معنى الإسلام؟ وما معنى أن يكون الإنسان مسلماً؟

الإسلام يعني: التسليم لله سبحانه وتعالى والطاعة والخضوع له والانقياد إليه والالتزام بأوامره وأحكامه، الطاعة لله دون سواه ودون إشراك أحد معه، لأن الله هو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا شبيه له ولا شريك.

وفكرة التوحيد تجعل السلطة المطلقة لله وحده فلا سلطة لأحد غيره، ولله وحده أن يتصرف في المخلوقات وفي الكون والحياة, لأن الولاية له وحده, فهو الخالق وهو الرازق وهو الحاكم وهو القادر وهو العالم وهو على كل شيء قدير وبكل شيء عليم ومحيط, وإليه يعود الأمر كله.

يقول تعالى: [قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير]. آل عمران/6.

وهذه العقيدة لا تتم للمسلم إلا بالطاعة والتسليم لله عز وجل.

فمعنى أن يكون الإنسان مسلماً, يعني أن يكون مطيعاً ومسلماً لله سبحانه منقاداً إليه وملتزماً بأوامره ونواهيه وأحكامه وتشريعاته.

يقول تعالى: [آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير]. البقرة/ 285.

فالإيمان والإسلام لا يتحقق إلا بشرط: الإيمان بالله, والإيمان بملائكته, والإيمان بكتبه ورسله وعدم التفريق والتمييز بين الرسل لأنهم كلهم أنبياء الله اصطفاهم واختارهم لرسالته ودينه، وهذا من خصوصيات الإسلام انه يدعو إلى الإيمان بكل الأنبياء وبكل الديانات الإلهية ويعترف بالآخر، والشرط الثاني للإيمان: هو السمع والطاعة والتسليم والانقياد لله سبحانه, وقد أمر الله بطاعته وطاعة رسوله في العديد من الآيات:

قال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول]. النساء/ 59.

[يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون]. الأنفال/ 20 ـ 21.

أطيعوا الله والرسول ولا تعرضوا عن الله ورسوله، لا تقولوا: نحن نعرف ونعي ونعلم ونسمع من الله ورسوله نسمع آيات الله وأحكام الله ثم لا تلتزمون بما تسمعون [ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون].

ويقول تعالى: [وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين].

إذا خالفتم وتوليتم عن الله والرسول ولم تطيعوا فيما أمروا ونهوا فإن الرسول قد الزمكم الحجة ولم يعد باستطاعتكم أن تقولوا ما سمعنا وما عرفنا ولم يبلغنا أحد ولم يهدنا أحد ولم يعلمنا أحد.

ونتيجة المطيع والمسلم لله هي الجنة فيما مصير العاصي هو النار.

قال تعالى: [ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ومن يعصي الله ورسوله ويتعدَّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين]. النساء/ 13 ـ 14.

لذلك الطاعة والتسليم المطلق لله والالتزام الكامل بأوامره وأحكامه وتشريعاته هو قطب الرحى, وهو العنصر والركن المركزي الذي يدور عليه الإسلام, وبدون الطاعة والتسليم والالتزام الكامل بالأحكام والتشريعات والقيم ينتفي الإسلام ولا يكمل الإيمان ويدخل الإنسان في طاعة الشيطان، لأنه ليس هناك من حالة وسطية أو من طريق ثالث.

إما أن يكون الإنسان في طاعة الله أو في طاعة الشيطان ولا برزخ بينهما, فالالتزام  يجب أن يكون كاملاً وإلا دخل الإنسان في طاعة الشيطان.

يقول تعالى: [يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين]. النساء/ 65.

فالإنسان لا بد له من الدخول في دائرة السلم والتسليم لله بالكامل من دون تردد أو تراجع.

والتسليم المطلوب هو التسليم العقلي والفكري والوجداني والنفسي والتسليم العملي من دون حرج ولا تردد ولا تراجع.

[فلا وربك لا يأمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما].

الإيمان هو أن يعتبر الإنسان أن مرجعيته في كل شيء هو الإسلام وأحكام وتشريعات الإسلام, أن يعود في كل قضاياه ومشاكله وأموره وفي كل جانب من جوانب حياته إلى الدين وإلى الإسلام وأحكامه, لا أن يعود في بعض القضايا ويترك في قضايا أخرى, علاقة الإنسان المسلم بالله سبحانه هي علاقة كاملة, والمسلم لا يكون مسلماً حتى يدخل في منظومة القيم الإلهية كلها بشكل كامل.

علاقة المسلم بربه قائمة على الطاعة المطلقة لله سبحانه غير المحددة برمان معين أو مكان معين.

بعض الناس قد يقول لك هذا الحكم أو هذه الأحكام كانت لزمان ماضي قديم, ولا تصلح لزماننا الذي تغير! البعض يقول هذا ليهرب وليتفلت من الالتزام ببعض الأحكام.

البعض يقول هذه التشريعات كانت تناسب ظروف وأوضاع وجغرافيا معينة ولا تناسب منطقتنا وظروفنا! يقول ذلك ليتهرب من الالتزام وتحمل المسؤولية والطاعة.

الإسلام كل واحد لا يتجزأ ولا يجوز الانتقاء منه ومن أحكامه وتشريعاته.

البعض ينتقي من الدين ما ينسجم مع مصالحه وأهوائه وشهواته وطموحاته.

البعض الآخر ينتقي ما ينسجم مع عقله وفكره، يقول لك: هذا لا يقبله عقلي! وذاك لا أقتنع به! وذلك لا ينسجم مع التفكير الإنساني وما شاكل ذلك! ليس بالضرورة أن ينسجم الدين وأحكام الدين مع عقل الإنسان القاصر والمحدود.. إذا كان لا ينسجم الدين مع العقل القاصر فهذا لا يعني انه لا ينسجم مع العقل والتفكير الصحيح, لأن الله أعلم منا بالمصالح والمفاسد, وهو أخبر وأعرف وأكبر من عقولنا في كل ذلك.

البعض ينتقي من الدين ما يناسب قدراته وقوته, ويتهرب من بعض الالتزامات والطاعات والمسؤوليات بحجة أن ذلك لا يتناسب مع قدراته, يقول: لا أستطيع أن أفعل هذا ولا أن أفعل ذاك, مع أن الله لا يكلف الإنسان بتكليف إلا إذا كان قادراً على الالتزام به والقيام بتطبيقه [لا يكلف الله نفساً إلا وسعها].

إذن الإسلام كل مترابط وكل واحد وأي حذف لجزء منه فهو حذف للكل.

يقول تعالى: [أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب]. يأخذون بما يحلو لهم وينسجم مع أهوائهم ومصالحهم ويكفرون بالباقي.

يقول تعالى: [هاأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ].

هناك فريقان: فريق المؤمنين الحقيقيين الذين يؤمنون بالكتاب كله وبكل ما تضمنه من أحكام وقيم ومفاهيم, وهناك فريق المنافقين والمستكبرين والكفار الذين يأخذون ما يتناسب مع أهوئهم ومصالحهم.

إذن: الإسلام هو أن يلتزم الإنسان بكل قيمه وأخلاقه، ومن قيم الإسلام أن يعيش الناس بأمن وأمان, أن يأمنوا على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وأرزاقهم وقضاياهم وأوضاعهم، أن يعيشوا السلام والأمن, أن لا يسبوا بعضهم بعضاً, أن لا يقاتلوا بعضهم بعضاً, أن لا يحرضوا على بعضهم البعض.

هناك من المسلمين, من دول وقوى وشخصيات وحتى علماء (محسوبون ظاهراً على الإسلام) من يستجدي ويستعين بالطغاة والمستكبرين وأمريكا والصهاينة ضد مسلمين آخرين وضد دول إسلامية أخرى.

هناك من يستجدي أمريكا للتدخل في سوريا وللاعتداء على سوريا.

 إعانة المستكبرين والطغاة هي من الخطايا الكبرى، لكن هؤلاء يريدون شيئاً والله يريد شيئاً آخر، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

لقد جاءت المبادرة الروسية في الأسبوع الماضي كعنصر مفرمل للحرب الذي كان يطبل لها الغرب وعلى رأسه أمريكا ومعه الصهاينة ومجلس التعاون الخليجي, هذه الحرب التي كانت تهدد باشتعال المنطقة كلها.

إن هذه المبادرة من شأنها أن تخلط الأوراق على الصعيد الدولي عموماً والغربي تحديداً لا سيما وأن الكثيرين في الغرب كانوا مترددين وليسوا مقتنعين بالحرب, وقد شهدنا تردد الكثير من الدول وتراجع بعض الدول الأوروبية عن فكرة العدوان.

كما أن المبادرة الروسية تسحب الذريعة الأساسية التي يتمسك بها الأمريكي للحرب, وهي ذريعة السلاح الكيميائي بعدما أعلنت سوريا رسمياً عن انخراطها في معاهدة حظر السلاح الكيميائي.

ولا شك أن هذه المبادرة ستأثر تأثيراً كبيراً على الرأي العام الغربي الذي يرفض الحرب ولا يريدها, وستجعل من الصعب على الكونغرس الأمريكي الموافقة على شن حرب على سوريا.

لقد كان الهدف الأساسي والمركزي للحرب على سوريا هو تدمير سوريا وإضعاف قدراتها, لأن العدوان الذي كان سيحصل لم يكن مجرد ضربة محدودة في الزمان والمكان كما حاول الأمريكي أن يصور للناس مخادعاً ومنافقاً، وإنما يستهدف ضرب البنية التحتية العسكرية للنظام مما سيؤدي إلى إضعاف كبير لقوة النظام.

وطالما أنه هذا هو الهدف فإن مجرد تجنب سوريا لضربة عسكرية ولحرب مدمرة هو بحد ذاته مكسب بالغ الأهمية لسوريا ولشعبها, وهو ربح لإيران وحزب الله وكل محور المقاومة في المنطقة, لفشل الأمريكي وحلفائه في تحقيق أهدافهم كاملة والمتمثلة في إخراج سوريا من محور المقاومة في المنطقة وجعلها في المحور المقابل, فالأمريكي لم يتمكن من تحقيق أهدافه الكبرى المتمثلة بإسقاط قدرة وقوة سوريا, كما أن صورته البشعة المتمثلة بعدوانيته وبنزعته إلى شن الحروب وكذبه ونفاقه على الشعوب.. عادت هذه الصورة لتعزز العداء لأمريكا.

تراجع فرص الضربة هو فشل ذريع للأمريكي وحلفائه من فرنسا إلى الخليج إلى الكيان الصهيوني الذي كان يريد من خلال الحرب إضعاف محور المقاومة, والتأسيس لعمل مماثل مستقبلاً ضد إيران.

 هو فشل وخيبة أمل لكل الذين راهنوا في الداخل على هذا العدوان من أجل تحسين وترتيب أوضاعهم الداخلية في السلطة, هو فشل للبعض الذي استجد سيده الرئيس..          بأن يتدخل في سوريا ويعتدي على سوريا.

وفي الخلاصة يمكن أن نقول: إن المبادرة الروسية التي وافقت عليها دمشق ورحبت بها إيران وتلقفها الأمريكي والغرب عموماً ترجح فرص إلغاء العدوان الأمريكي في الوقت الحاضر لمصلحة حلول تؤدي تدريجياً إلى الحل السياسي للأزمة السورية، لأن الحل السياسي هو الحل الوحيد الذي يمكن أن يخرج سوريا من دوامة القتل والتدمير..

 

والحمد لله رب العالمين