المقالات

رفض ولاية الكفار (71)

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.(لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعلْ ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تُقاةً ويحذرُكم الله نفسه وإلى الله المصير)آل عمران/28.

كلمة (أولياء) في هذه الآية جمعُ ولي، والولي كلمة تأتي بمعنى الصديق والرفيق والمعين والحليف، وتأتي بمعنى المحب, كما أنها تاتي بمعنى من يملك تدبير الأمور ومن بيده السلطة الذي يتصرف بالشؤون العامة.

وفي هذه الآية درسٌ اجتماعيٌ سياسيٌ مهمٌ للمسلمين فهي تحذر المسلمين من اتخاذ الكافرين أولياء أصدقاء وأعوان وحماة وحلفاء من دون المؤمنين في أي شأن من شؤونهم وفي أي عمل من أعمالهم، تحذرُهم من الامتزاج الروحي بهم بحيث يؤدي ذلك إلى إطاعتهم والخضوع لهم والتأثر بأخلاقهم وعاداتهم وثقافتهم ومشاريعهم السياسية.

تحذرهم من الانخداع بالكافرين وأساليبهم، وكلماتهم المعسولة وعروضهم الجذابة، تحذرهم من الانخداع بهم عندما يتظاهرون لكم بالمحبة والصداقة وأنهم لا يريدون إلا مصالحكُم ومصالح بلدانكم, ولا يهدفون إلا إلى حمايتكم والدفاع عنكم ومساعدتِكم وإعمار بلدكم.

الله يحذرُ المسلمين من الانخداع بذلك.. ومن الخضوع لسيطرة الكافرين والانخراط في مشاريعهم ومخططاتهم، لأن التاريخ أثبت بأن أقسى الضربات التي تلقاها المسلمون جاءت عن هذا الطريق.

لو أننا طالعنا تاريخ الاستعمار لوجدنا أن المستعمرين الذين احتلوا بلادنا ونهبوا ثرواتنا ودمروا ثقافتنا ومسخوا عاداتنا وأخضعونا لمشاريعهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لوجدنا أن هؤلاء جاؤوا دائماً في لبوس الصداقة والمحبة والتعاون وحب الإعمار والبناء فتغلغلوا عن هذا الطريق في داخل مجتمعاتنا.

إن كلمة استعمار التي تعني الإعمار والبناء دليلٌ على هذا الخِداع، فهم بعد أن يتمكنوا من النفاذ إلى داخل المجتمع المستعمَر، يبدأون بامتصاص دمائه ونهب ثرواته وإخضاعه وإذلاله بكل قسوةٍ وبغير رحمة.

تقول الآية: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين). وكلمة (من دون المؤمنين) تدل على أن الذين يتخذون الكافرين أولياء يؤثرون حب الكفار على حب المؤمنين, ويسلمون الكفار أمورهم وشؤونهم فيخضعون لهم ويتصلون بهم وينفصلون عن المؤمنين. وهذا هو بالتحديد التولي المنهى عنه في الآية, أن تتولى الكافرين بحيث تجعل لهم سلطاناً عليك فتخضع لهم وتُلقى بالمودة والمحبة إليهم وتنفصل عن المؤمنين.

وقد تكرر التحذير والنهي في القرآن عن تولي الكافرين والأعداء واتخاذهم أولياء بهذا المعنى في أكثر من موقع وفي أكثر من آية.

فقد قال تعالى في سورة المائدة: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضُهم أولياءُ بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) 51.

وقال في سورة الممتحنة: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوَّكم أولياء تُلقُون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق).

إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على هذا الموضوع، والتي تشير إلى أن الكفر والإيمان شيئان منفصلان ومتباعدان، وأن المؤمنين والكافرين مجموعتان منفصلتان عن بعضهما في العقيدة والفكر والأخلاق والسلوك والثقافة والعادات وسائر شؤون الحياة, فلا يمكن أن يتولى المؤمنون الكافرين, لأن الولاية توجب الاتحاد والامتزاج والانتماء، توجب أن يكون المؤمنون والكافرون جسداً واحداً مع أنهما جسدان مختلفان متباعدان متباينان لكل منهما فكرُه وقيمُه وأخلاقه وثقافته وطريقته وأسلوبه المختلف عن الآخر، فإذا تولى المؤمنون الكافرين واتخذوهم أولياء من دون المؤمنين فإن معنى ذلك أن المؤمن انخرط في مجتمع الكافرين وصار واحداً منهم وبالتالي فإن ايمانه يذهب ويفسدُ ويزول من الأساس.

ولكن ينبغي التأكيد هنا على أنه ليس معنى النهي عن اتخاذ الكافرين أولياء هو أن  الإسلام يريد من المسلم أن يُبغض غير المسلم في كل الأحوال، أو أن يعارض الإحسان إليه، أو لا يجيز إقامة أية علاقة متوازنة معه لا اقتصادية ولا اجتماعية ولا سياسية, لا.. الإسلام لا ينهى عن ذلك.. ويعلن عدم نهيه هذا صراحة بقوله تعالى: (لا ينهاكُم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يُخرجُوكم من ديارِكم أن تبرَّوهُم وتُقسِطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) الممتحنة /8.

فالقرآن يعلنُ صراحة أنه لا يعارض الإحسان إلى غير المسلمين الذين لم يعتدوا ولم يقفوا في مواجهة المسلمين, لا يعارض إقامة العلاقات المتنوعة مع هؤلاء كما لا ينهى عن التعامل معهم بطريقة متوازنة وعادلة. الإسلام لا يقول إن أعمال الخير والمحبة التي تعملونها يجب أن تختص بالمسلمين دون غيرهم وأن خيركم يجب أن لا يصل إلى غير المسلمين.

وإنما الإسلام يحذر من أن يخضع المسلمون لغير المسلمين وللاعداء, بحيث يقع المسلمون تحت سيطرة الكافرين وتحت تاثيرهم في جميع شؤون الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها.

الإسلام يقول على المسلمين أن لا يغفلوا عن أعدائهم الذين ينظرون إليهم نظرة مغايرة مختلفة, عليهم أن ينتبهوا إلى العدو وإلى المستكبرين والمستعمرين الذين يلبسون لبوس الاصدقاء والاعوان والمحبين والخيرين من أجل أن يُخضعوا المسلمين ويسيطروا على مواردهم وثرواتهم, ومن أجل أن يمرروا مشاريعهم الاستكبارية التي لن تكون في أي وقت من الأوقات وفي أية مرحلة من المراحل لصالحِ المسلمين ولمصلحة بلدانهم.

على المسلم أن يتذكر دائما أنه عضوٌ في مجتمعٍ إسلامي إيماني وانه جزءٌ من هذا المجتمع الذي له كيانُه واستقلاله وسيادته وقيمُه وأخلاقُه وثقافته ومشروعه الذي يختلف مع مشروع المستكبرين والكافرين.

ومن هنا فإن علاقات المسلمين بغير المسلمين ينبغي أن تكون بصورة لا تؤدي إلى إلحاق الضرر بالمجتمع الإسلامي وبالجسد الإسلامي، لا تؤدي إلى إلحاق الضرر بقيمه بكيانه واستقلاله وسيادته وأخلاقه وثقافته ومشروعه.

فعندما نقول أن على المسلم أن لا يتقبل ولاء غير المسلم يعني أن علاقات المسلم بغير المسلم على مستوى الأفراد والمجتمعات والدول ينبغي أن لا تكون بمستوى علاقاته مع المسلم بحيث يصبح المسلم عضواً في جسد غير مسلم وجزءاً من مجتمع غير مسلم.

إذن لا يتنافى أن يحسن المسلم إلى غير المسلم وأن يتعامل معه وأن يقيم علاقاتٍ معه، وفي الوقت نفسه لا يجعله ولياً له ومتسلطاً عليه بحيث يكون خاضعاً لمشاريعه ونهجه وسياساته.

ولأهمية هذا الموضوع تورد الآية تهديداً شديداً فتقول: (ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء) اي من يتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين يقطعُ كل علاقةٍ له بالله سبحانه فلا يعد يربطه بالله شيئاً، لأن المؤمن هو الذي يتولى الله ورسوله والذين آمنوا ويرتبط بهم ويندمج معهم ويمنح ولاءه لهم, فاذا تولى الكافرين والأعداء وانخرط في مشاريعهم وخضع لمخططاتهم فإن معنى ذلك أنه خرج من ولاية الله ورسوله والذين آمنوا ودخل في حزب أعداء الله الذين يعملون على إفساد الدين وإلحاق الضرر والاذى بالمجتمع الإسلامي, ومن هنا فإن في الآية اشارة ضمنية إلى أنه يجب على المؤمنين أن يختاروا أولياءهم من بين المؤمنين لا من بين الكافرين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين