المقالات

محاضرة تحت عنوان مكانة الإمام الحسن (ع) في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين.في هذه الأيام المباركة نلتقي بذكرى ولادة الإمام الثاني من ائمة أهل البيت (ع) الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وهو الإمام الحسن بن علي بن ابي طالب عليهما السلام، الذي ولد في حياة جده الرسول الأكرم (ص) في النصف من شهر رمضان المبارك من السنة الثالثة للهجرة النبوية، وكان أول ولد لفاطمة الزهراء.

       ولا بد لنا أن نقف مع هذه الذكرى المجيدة لنتعرف على موقع ومنزلة الحسن في الإسلام والعقيدة، ولنتعرف على فضله وبعض مواقفه وسيرته من اجل أن نعيش الالتزام بإمامته، والاقتداء بشخصيته، والارتباط بخطه ونهجه، والاستفادة العملية من مواعظه وكلماته وحكمه.

       ولأننا لا نستطيع الإحاطة بكل سيرته وحياته في هذا الحديث المختصر فإنني سأقتصر على إثارة وتحليل بعض الجوانب المتعلقة بحياته في نقطتين:

في النقطة الأولى: نطلع على بعض المواقف التي اطلقها رسول الله (ص) تجاه الحسن والتي يبين فيها مكانة وموقع ومنزلة الحسن (ع) في الإسلام.

وفي النقطة الثانية: نذكر شيئا من سيرته الذاتية وكلماته من اجل الاستفادة العملية منها.

أما النقطة الأولى: فإن المعروف أن الإمام الحسن (ع) عاش في ظل جده المصطفى(ص) سبع سنوات، وفي هذه السنوات السبع كانت هناك علاقة حميمة بين الرسول (ص) وبين الحسن (ع) ، تجاوزت هذه العلاقة حدود العلاقة العائلية والعلاقة العاطفية التي تربط الأب بأبنه والجد بحفيده فقد كان النبي (ص) يرعى تربية الحسن رعاية خاصة ومميزة، فكان يغذيه بآدابه ومعارفه ويعطيه من علومه واخلاقه، ويربي فيه المؤهلات الكافية لأن تجعله جديرا بدور قيادي على مستوى الأمة في المستقبل.

       وكانت تلك السنوات السبع التي عاشها الإمام الحسن (ع) في رعاية وتربية النبي (ص) على قلتها كافية لأن تجعل من الحسن (ع) صورة مصغرة عن شخصية رسول الله حتى اصبح جديرا بذلك الوسام الذي منحه اياه رسول الله (ص) عندما قال له : (أشبهت خلقي وخُلُقي).

       ولم يكن هذا الموقف هو الموقف الوحيد الذي اطلقه رسول الله (ص) تجاه الحسن (ع)، فهناك عشرات النصوص المروية عنه (ص) في حق الإمام الحسن (ع) وفي حق أخيه الإمام الحسين (ع) اللذين لم يكن يفصل رسول الله (ص) بينهما في الرعاية والفضل والمحبة. 

       هذه النصوص عكست مواقف كثيرة ومتنوعة لرسول الله (ص) تجاه هذين الإمامين،وعبرت عن عمق مكانتهما في الإسلام والعقيدة، وعما ينتظرهما من دور قيادي على صعيد تحمل مسؤولية هداية ورعاية وقيادة الأمة من بعده.

       من هذه الأحاديث ما رواه المسلمون على اختلاف طوائفهم عن النبي (ص) من أنه قال "الحسن والحسين سيدا شباب الجنة،.

       وكان يقول (ص) وهو يشير إليهما: اللهم إني احبهما فأحبهما وأحب من يحبهما وابغض من يبغضهما.

       ويصرح في موقف آخر : الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ويشير إليهما فيقول: انتما الإمامان ولأمكما الشفاعة.

وهكذا كان يقول عن الحسن: هو سيد شباب أهل الجنة، وحجة الله على الأمة، امره امري، وقوله قولي، ومن اتبعه فإنه مني، ومن عصاه فإنه ليس مني.

وفي موقف آخر ينقله لنا أنس بن مالك يقول:دخل الحسن على النبي فأردت ان ابعده عنه، فقال (ص): ويحك يا أنس دع ابني وثمرة فؤادي، فإن من آذى هذا آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله.

وهكذا كان يقول (ص): لو كان العقل رجلاً لكان الحسن.

لقد كان الحسن أحب الناس إلى النبي بل لقد بلغ من حبه له ولأخيه الحسين أنه كان يقطع خطبته في المسجد وينزل عن المنبر ليحتضنهما.

وكان المسلمون يرون رسول الله كيف يهتم بالحسن ويحضنه ويصبر عليه، وحين كان يصعد وهو في سن الطفولة على ظهر النبي وهوساجد في الصلاة، كان يطيل النبي السجود إلى درجة أن المسلمين كانو يظنون أن الوحي ينزل عليه، فيقولون له: يا رسول الله هل نزل عليك الوحي ؟ فيقول لهم : لا، ولكني احببت أن لا ازعج ابني حتى ينزل من تلقاء نفسه عن ظهري.

هذا السلوك من النبي تجاه الحسن واتجاه اخيه الحسين،  وهذا التكريم الرسالي لهما، وتلك المواقف الكبيرة بحقهما لم تكن بدافع القرابة التي تربط رسول الله (ص) بالحسن والحسين (ع) ولا بدافع العاطفة، ولا هي ناتجة عن مصالح وأهواء شخصية من النبي(ص) ، وإنما كان (ص) ينطلق في مواقفه وفي احاديثه وفي سلوكه من اجل هذا الدين ومن اجل حاضر ومستقبل هذه الرسالة. وهذه الأمة, لأنه كما اخبرنا القرآن عنه (ص) : (لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)، فكلماته وحي واحاديثه وحي الهي ومواقفه وحي الهي ... وهكذا ...

إن إظهار هذه المواقف من قبل النبي (ص) بصورة علنية ، وفي الوسط الاسلامي العام وحتى من على المنبر احيانا، كان له هدف اسمى وابعد من إظهار المحبة والمودة فقط للإمامين الحسن والحسين (ع).

لقد كان لهذه المواقف دلالات واهداف بعيدة المدى ترتبط بمستقبل هذا الدين وبمستقبل الأمة بعد رسول الله (ص) ، ولعل من ابرز تلك الدلالات والأهداف :

أولا: الفات الأمة إلى ما ينتظر هذا الوليد الجديد (الإمام الحسن (ع) ) من دور قيادي بعد رسول الله (ص) وإعداد الناس نفسيا ووجدانيا لقبول إمامة الحسن والحسين (ع) وسائر الأئمة (ع) وإظهار احقيتهم في خلافة النبي (ص) وقيادة الامة من بعده .

ثانيا: ان النبي قد بث في الحسنين من العلوم والمعارف والحكم والأخلاق، وربى فيهما من المؤهلات ما يجعلهما جديرين بمقام الخلافة والقيادة وهداية الأمة وتحمل مسؤولياتها من بعده.

ثالثا: اراد النبي (ص) من تلك المواقف ايضا، إيجاد المناخ النفسي الملائم لدى الأمة من اجل أن لا تستسلم أمام محاولات الابتزاز لحقها المشروع في الاحتفاظ بقيادتها الإلهية التي فرضها الله لها، أو على الأقل أن لا تتأثر بعمليات التشويه التي قد تتعرض لها القيادة الشرعية بعد رسول الله (ص).

       رابعاً: أراد النبي (ص) من خلال هذه المواقف ايضا: توجيه الأمة للارتباط بالحسن والحسين وسائر أئمة أهل البيت (ع) ارتباطا عقيديا وليس مجرد ارتباط عاطفي أو نفسي أو قلبي، أي أن يكون ارتباطنا بهم ارتباط الولاء لهم وارتباط الاتباع والقيادة وارتباط الطاعة والعمل أن يكونوا قدوة واسوة لنا، نهتدي بهم ونتعلم منهم الاسلام وقضايا الفكر والعقيدة والتشريع  والاخلاق، وكل المعاني السامية التي عاشوا من اجلها وضحوا واستشهدوا في سبيلها.

       أما النقطة الثانية: وهي النقطة المتعلقة بسيرة الإمام الحسن (ع)، فقد جاء في كتب السيرة والتاريخ أن الحسن (ع) كان اشبه الناس خلقا وخُلُقاً برسول الله (ص)،وكان الناس إذا اشتاقوا إلى رسول الله بعد وفاته ينظرون إلى الحسن (ع) ليجدوا فيه سمات النبي (ص) وصفاته.

       وكان (ع) اعبد اهل زمانه وازهدهم واكثرهم طاعة لله. فقد ورد عنه أنه كان إذا توضأ ارتعدت فرائصه، واصفر لونه من خشية الله.

       فقد سئل عن ذلك فقال (ع) : حق على كل من وقف بين يدي رب العرش أن يصفر لونه وترتعد فرائصه.

       ويصف لنا الإمام زين العابدين (ع) عمه الإمام الحسن (ع) وسيرته الذاتية وعلاقته بالله فيقول: كان اعبد الناس في زمانه،وازهدهم وافضلهم، وكان إذا حج حج ماشيا وربما مشى حافيا وكان إذا ذكر الموت بكى،وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر المرور على الصراط بكى، وأذا ذكر العرض على الله شهق شهقة يخشى عليه منها. (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية).

 وكان إذا قام للصلاة ترتعد فرائصه بين يدي الله عز وجل، وإذا ذكر الجنة والنار يضطرب اضطراب السليم، وسأل الله الجنة وتعوذ من النار،وكان إذا قرأ في  القرآن (يا أيها الذين امنوا)  رفع صوته وقال : )إلهي ضيفك ببابك، يا محسن قد اتاك المسيء، فتجاوز ما عندنا بجميل ما عندك يا كريم)وهذا هو الدخول الواعي إلى المسجد.

وكان عليه السلام: عندما يرى بعض الناس الذين يطلبون الهيبة والعزة من خلال السلطة أو الموقع أو الطائفة أو العشيرة أو ما شاكل ذلك كان يقول لهم : (من أراد عزا بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، فلينتقل من ذل معصية الله إلى عز طاعته). فكن المطيع لله ليعطيك الله هيبة من هيبته، وكن المتقي لله ليعطيك الله عزا من عزته، وهذا ما عبر عنه الإمام زين العابدين (ع) حيث كان يقول في الدعاء (واعصمني يا رب من أن اظن بذي عدم – أي فقير – خساسة ، أو اظن بصاحب ثروة فضلا، فإن الشريف من شرفته طاعتك والعزيز من اعزته عبادتك).

       فمقياس الشرف والعزة في ثقافة أهل البيت (ع) هو الطاعة لله سبحانه.

       واختم حديثي هنا بما ورد عن الإمام الحسن (ع) في السياسة، فقد سأله بعض الناس عن رأيه في السياسة فقال (ع): هي أن تراعي حقوق الله وحقوق الأحياء وحقوق الأموات، فأما حقوق الله: فأداء ما طلب والاجتناب عما نهى, وأما حقوق الأحياء: فهي أن تقوم بواجبك نحو اخوانك، ولا تتأخر عن خدمة امتك، وأن تخلص لولي الأمر ما أخلص لأمته، وأما حقوق الأموات: فهي أن تذكر خيراتهم وتتغاضى عن مساوئهم، فإن لهم ربا يحاسبهم.

       هذه هي صفة الحسن (ع) وسيرته وهي صفة أهل البيت (ع) جميعا، ونحن عندما نتذكر الإمام الحسن (ع) ونتذكر اهل البيت (ع) وكلماتهم المضيئة، فإننا نريد أن نجدد التزامنا بهم وبإمامتهم وبخطهم وبكل ما نصحونا وعلمونا لأن ذلك معنى أن نكون معهم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب رالعالمين