الصفحة الرئيسية

بنو اسرائيل والافساد في الارض 2 (24)

الفساد والعلو ثم التدمير الاول والزوال الاول للكيان الاسرائيلي فضلا عن الثاني ات في المستقبل وانه لم يمر بعد .هو ات على ايد رجال اتقياء اوفياء لقضيتهم الاساسية ،هو ات بفعل تضحيات فئة مؤمنة مجاهدة فهمت ان قضية القدس ليست قضية الشعب الفلسطيني وحده، بل قضية كل المسلمين في العالم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الاسراء : وقضينا الى بني اسرائيل في الكتاب  لتفسدن في الارض مرتين ولتعلن علواً كبيراً ،فإذا جاء وعد أولهما بعثنا عليكم عباداً لنا اولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا،ثم رددنا لكم الكرة عليهم وامددناكم باموال وبنين وجعلناكم اكثر نفيراً،ان احسنتم احسنتم لأنفسكم وان اسأتم فلها فإذا جاء وعد الاخرة

ليسُئوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه اول مرة وليتبروا ما علو ا تتبيراً،عسى ربكم ان يرحمكم وان عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً ) 4/8.

قلنا في الحلقة الماضية ان هذه الايات تفيد بان الله اخبر بني اسرائيل في التوراة انهم سوف يفسدون في الارض اولاً، فيسلط عليهم عباداً اقوياء أولي بأس شديد  فيذلونهم ويذيقونهم جزاء فسادهم وعلوهم في الارض ،ثم يستردون قوتهم بعد ذلك وتكون الغلبة لهم على اعدائهم ولكن يعودون الى الفساد والاحتلال والسيطرة ثانية فيسلط الله عليهم ايضاً عباداً اشداء يضربونهم الضربة الثانية ويحررون الارض من رجزهم واحتلالهم ويدخلون المسجد الاقصى في القدس الشريف كما دخلوه اول مرة .

وقد ذكرنا ان عباد الله الذين يواجهون اليهود في المرتين ويحررون القدس الشريف من سيطرتهم ،هم قوم مؤمنون ينطلقون في مقاومتهم لفساد بني اسرائيل واحتلالهم للارض والمقدسات من موقع ايمانهم والتكليف الشرعي ومن خلال وعيهم لواجباتهم ومسؤولياتهم الجهادية .

اذن : الذي يستفاد من الايات ان هناك افسادين كبيرين حتميين لليهود في الاراضي المقدسة ،وان هناك ضربتين حتميتين لهم بعد كل افساد يحقق فيهما المؤمنون المجاهدون نصراً اكيداً عليهم ،ويستطيعون  في كل مرة تحرير القدس الشريف من سيطرتهم واحتلالهم ويدخلون المسجد كما دخلوه اول مرة .هذا ما يستفاد من الايات بشكل عام .

ولكن يبقى الكلام في تطبيق الايات غلى الواقع الخارجي ،فهل حصل وتحقق مفادها كله في الماضي؟ او انه سوف يحصل كله في المستقبل؟او ان بعض ذلك قد حصل والبعض الاخر متوقع الحصول؟؟

في الحقيقة ان هناك اراءً متعددة ومتباينة للمفسرين حول هذا الموضوع ،ويمكننا هنا ان نشير الى اهمها وهي ثلاثة اراء :

الرأي الاول : ان الافسادين من بني اسرائيل قد تحققتا في الماضي البعيد ومضت الضربتان ايضاً قبل ظهور الاسلام . الافساد الاول حصل منهم عندما اغاروا على فلسطين بعد حادثة التيه بقيادة يوشع بن نون خليفة موسى حيث احتلوها واستولوا على جميع ما فيها من خيرات وثروات بعد ان ابادوا معظم اهلها الكنعانيين .فجاء البابليون بقيادة بخث نصر او ابيه سنحاريب حيث ضربوهم الضربة الاولى ،فقد دخل البابليون القدس واحرقوا الهيكل وقتلوا من اليهود مقتلة عظيمة واخذوا من بقي منهم رجالا ونساء واطفالا سبايا اذلاء الى بابل وكان ذلك قبل الاسلام بنحو الف سنة تقريباً ،اما الافساد الثاني فيقول هذا الفريق انه حصل بعد ان استطاع كورش ملك الفرس إنقاذ بني اسرائيل  من سيطرة البابليين حيث أعادهم كوريش الى ديارهم واعانهم في تعمير بيت المقدس ،فعادوا الى الافساد ثانية ،وفي هذه المرة سلط الله عليهم قيصر الروم الذي أمر وزيره بمواجهتهم فضربهم الضربة الثانية  وفتك بهم قتلاً وأسراً وتشريداً وتخريباً واستطاع ان ينتصر عليهم ويدمرهم وكان ذلك  في حدود مئة سنة قبل الميلاد .

وبذلك تكون الاحداث التي اشارت اليها  الايات هي نفس الاحداث  التي وقعت بينهم وبين بخت نصر في المرة الاولى ،وبينهم وبين قيصر الروم في المرة الثانية ،ولكن يعترض على هذا الراي الذي لم يستبعده العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان بعدة امور :

اولا:ان الايات تفيد ان المبعوث لمواجهة بني اسرائيل وضربهم هم فئة واحدة في كلا المرتين ، تجمعهم رابطة واحدة ، وعقيدة واحدة  او قومية واحدة لأن ذلك هوظاهر قوله تعالى (عباداً لنا ) كما ذكرنا في الحلقة الماضية ،وعليه فلا يمكن تطبيق الايات على بخت نصر وعلى قيصر الروم لانهما وان واجها بني اسرائيل في الماضي الا انه لا رابطة تجمع بينهما في الانتماء، فهما ليسا جماعة واحدة بل جماعتين منفصلتين مختلفين في العقيدة وفي الانتماء وفي غير ذلك .

وثانياً : ان الاية تكاد تكون صريحة في ان لبني اسرائيل كرة وغلبة ونصراً على اولئك العباد المبعوثين الذين ضربوهم الضربة الاولى ،وهذا لم يحصل مع بخت نصر الذي ضربهم الضربة الاولى حسب هذا الرأي لأن اليهود لم يستطيعوا ان يحققوا نصراً على بخت نصر بل ان كورش  هو الذي ارجعهم  الى ديارهم وحررهم من البابليين حسب هذا التفسير .

ثالثاً: ان بخت نصر لم يدخل المسجد كما ان قيصر الروم لم يدخل المسجد مع ان الايات اشارت الى ان المبعوثين  الذين  يضربون اليهود في المرتين يدخلون المسجد الاقصى في القدس .

ورابعا: ان الذين ضربوا بني اسرائيل في المرتين حسب هذا التفسير ،لم يكونوا من المؤمنين (عباداً لنا ) بل كانوا من الطغاة والمتجبرين .

وعلى هذا الاساس فلا يمكن تطبيق الايات على الوقائع التي ذكرت في هذا الرأي ومن هنا نأتي الى رأي ثان في تطبيق الايات .

فالرأي الثاني يقول : ان الضربة الاولى على بني اسرائيل وقعت بيد المسلمين في ايام خلافة عمر بن الخطاب  لانه فتح القدس وجاس هو والمسلمون خلال الديار الفلسطينية .

وفسر هذا الراي الافساد الثاني لبني اسرائيل بما فعله اليهود والصهاينة في حزيران سنة 1967 من احتلال القدس والسيطرة عليها وبعض الاراضي العربية والاسلامية وما يفعلونه حتى الان في فلسطين ولبنان والمنطقة بشكل عام .

ويضيف اصحاب هذا الرأي ان الضربة الثانية لم تتحقق بعد ، بل ان الله سيمكن عاجلا ام اجلا العرب والمسلمين من العدو الاسرائيلي فيحررون القدس كما حرره المسلمون من قبل في زمن عمر ويسترجعون باقي الاراضي المغتصبة التي احتلوها بدعم من الاستكبار العالمي .

ولكن الاعتراض الاساسي الذي يواجه هذا التفسير هو ان عمر  حينما دخل المسجد الاقصى لم يكن في القدس احد من اليهود وانما كانت القدس تحت سيطرة النصارى ، اضف الى ذلك ان عمر دخل القدس صلحا وليس بالقوة والغلبة ،مع ان ظاهر الايات هو ان تحرير القدس ودخول المسجد الاقصى سيكون بالجهاد والقوة والقهر والغلبة على اليهود (ليسوؤا وجوهكم وليدخلو المسجد كما دخلوه اول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ) ولذلك فان هذا الراي ايضا لا يصلح تفسيرا وتطبيقا للايات المباركة .

 ومن هنا ولعدم صلاحية تطبيق معنى الايات على شيء من الاحداث التي وقعت لبني اسرائيل في الماضي ، يذهب بعض المفسرين الى راي ثالث فيقول : ان  الاحداث التي اشارت اليها الايات لم تحصل ولم تقع لبني اسرائيل بعد لا في تاريخهم القديم ولا في تاريخهم الحديث وان هذه الاحداث ستقع في المستقبل ،ويستدل على ذلك بان اللام في قوله تعالى (لتفسدن ) وفي قوله (ولتعلن )هي لام الاستقبال والتوكيد ،كما ان كلمة (إذا ) في قوله تعالى (فإذا جاء وعد اولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا ) هي اداة ظرفية تدل على ان الامر سيقع في المستقبل فوجود كلمة (إذا ) في هذه الاية يدل على ان الفساد والعلو ثم التدمير الاول والزوال الاول للكيان الاسرائيلي فضلا عن الثاني ات في المستقبل وانه لم يمر بعد .

هو ات على ايد رجال اتقياء اوفياء لقضيتهم الاساسية ،هو ات بفعل تضحيات فئة مؤمنة مجاهدة فهمت ان قضية القدس ليست قضية الشعب الفلسطيني وحده، بل قضية كل المسلمين في العالم ،وفهمت ان ازالة اسرائيل من الوجود ازالة فسادها وارهابها واحتلالها ،ليست مهمة  جانبية بل هي مهمة اساسية وتكليف شرعي الهي واجب على كل المسلمين بل على كل الشرفاء والاحرار في هذا العالم ،هو ات على ايد هؤلاء وان غداً لناظره قريب  .

واخر دعوانا ان الحمد الله رب العالمين