الصفحة الرئيسية

مقالة بعنوان :المسؤولية امانة وليست امتيازا

من الملاحظات الهامة التي اخذت على بعض الانظمة الجاهلية السابقة على الإسلام والمعاصرة له، إن الوظيفة فيها كانت وظيفة شخصية تسند إلى الشخص على  أنها امتياز تسبغه عليه السلطة والحكم وليست وظيفة عامة للمجتمع، وكان الموظف يتصرف في امور عمله وفي الامكانات الموضوعة بين يديه على هذا الاساس ... وكأن العمل وإمكانته هو ملك له وحق من حقوقه الذاتية.

وكان المسؤول يتعاطى مع الناس الذين تتصل مسؤوليته بأوضاعهم الاجتماعية، ومصالحم الاقتصادية على اساس أن المسؤولية باب لتحقيق المصالح الشخصية، وفرصة يستفيد منها هو وأقاربه وذوي النفوذ ماليا ومعنويا.

ومن أمثلة ذلك كلمة عامل عثمان على الكوفة حيث قال وهو يشير إلى المنطقة التي تقع تحت مسؤوليته: "إن هذا السواد بستان لقريش" فهو كان يعتبر أن المنطقة التي كان يتولى عملها ويدير شؤونها بكل ما فيها من إمكانات وثروات وموارد وأموال وغير ذلك، إنما هي بستان شخصي من بساتين قريش، يستطيع أن يتصرف فيها وكأنها ملك شخصي له، وليست امانة في يديه لكل المسلمين أو ملك للدولة والمجتمع والأمة.

وهكذا كانت المسؤولية وسيلة للانتفاع والكسب الشخصي والعائلي. المادي والمعنوي، وقد بلغ الأمر من هذه الجهة إلى درجة أن الوظيفة كانت شخصية بحيث يرثها الأبناء والأقارب.

إن هذه الممارسة الخاطئة للمسؤولية وللمهمة والوظيفة الإدارية حتى في بعض المراحل المحسوبة على الدولة الإسلامية. لم تكن بسبب نقص في التشريع الإسلامي بل هي ناشئة في الحقيقة من إغفال هذا التشريع وإهماله وعدم المبالاة بأحكامه من قبل الحكام والمسؤولين الجهلة والمنحرمين، وإلا فإن القواعد العامة في الشريعة تقضي بأن المسؤولية الإدارية، وتولي الأعمال والشؤون في أي موقع من مواقع النظام السياسي التنظيمي في الدولة أو في التنظيم الإسلاميين، هي وظيفة عامة للمجتمع وامانة في عنق المسؤول ، وليست امتيازا شخصيا له.

فليس للمسؤول ولا لمن يتولى أي عمل في أي موقع من المواقع في داخل التنظيم الإسلامي، أن يتصرف في إمكانات وظيفته وفي موارد وأموال عمله.أو أن يتعاطى مع الآخرين على اساس شخصي وكأن العمل ملكه أو ملك ابيه وأمه.

كما ليس للمسؤول أن يشغل موقعه في المسؤولية لتحقيق مصالحه  الشخصية ومصالح عائلته والمقربين.

وقد ثبت من سيرة النبي (ص) وأهل بيته (ع) ما يؤكد مبدأ عمومية الوظيفة وانها يجب أن تبقى في خدمة المجتمع والأمة وليس في خدمة الشخص ومصالحه وطموحاته الخاصة..

وقد كان علي (ع) من اشد الناس بعد رسول الله (ص) في الامانة لهذا المبدأ والصرامة في تطبيقه، وتظهر هذه الحقيقة بشكل واضح من كتبه إلى الولاة وكبار الموظفين الإداريين في حكومته.

فمن ذلك كتابه إلى الأشعث بن قيس عامل اذربيجان يقول عليه السلام فيه:" وإن عملك ليس لك بطعمة، ولكنه في عنقك أمانة. وانت مسترعى لمن فوقك، ليس لك أن تفتات في رعية. ولا تخاطر إلا بوثيقة، وفي يديك مال من مال الله عز وجل، وأنت من خزانه حتى تسلمه إلىَّ"

نهج البلاغة قسم الرسائل رقم 5.

فهو (ع) يقول له: ان العمل الذي بين يديك ليس مكسبا أومتيازا لك، وإنما هو امانة في يديك وعنقك للمسلمين. كما انك لست حراً في أن تتصرف في امكانات عملك كما يحلو لك من دون أن ترجع إلى من هو فوقك في المسؤولية، فليس لك أن تتصرف في شؤون عملك بغير اذنه أو أن تتجاوز صلاحياتك وما هومرسوم لك خاصة في ما يتعلق بالمال الذي تتولاه، فإن المال مال الله فلا بد أن تتوثق وتحتط لنفسك في امره حتى لا تصرفه في غير ما يرضي الله عز وجل أو على خلاف المصلحة.

ولأن المسؤولية والوظيفة عامة وليست شخصية فإن نتاج العمل وإيراداته  وما يمكن أن يحصل عليه المسؤول وهو في دائرة الوظيفة، هو للعمل وليس للشخص حتى الهدية التي تهدى للمسؤول وهو في موقعه ومنصبه فهي عامة وليست شخصية وهذا ما نستفيده من سيرة رسول الله (ص) في سياسته الإدارية مع موظفيه. فقد ذكر المؤرخون أنه (ص) استعمل على جباية صدقات بني سليم (ابن اللتية)، فلما جاء حاسبه، فقال الرجل " هذا مالك وهذا هدية! فقال النبي (ص): فهلا جلست في بيت ابيك وامك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً ؟! 

ثم خطب رسول الله (ص) اني استعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول: هذا مالكم وهذا هدية اهديت إلي، افلا جلس في بيت أبيه وامه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا؟! والله! لا يأخذ احد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله عز وجل بحمله يوم القيامة.

وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين