الصفحة الرئيسية

محاضرة القيت بمناسبة ولادة الزهراء (ع) في جمعية الرابطة الثقافية (الحاجة عفاف الحكيم) حوالي سنة 1998 م

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين.نبارك لصاحب العصر والزمان الإمام الحجة المهدي (عج) ولولي امر المسلمين آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي دام ظله الوارف ولعموم المسلمين ذكرى ولادة سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء (ع).

 فاطمة الزهراء هي: بنت الرسول الأعظم محمد (ص) وزوجة امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) وام الأمة الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً.

ولدت في العشرين من شهر جمادى الثاني في السنة الخامسة بعد البعثة النبوية الشريفة.

استشهدت بعد وفاة رسول الله (ص) بثلاثة اشهر تقريبا في الثالث من جمادى الثاني سنة 11 هجرية، وعمرها ثماني عشرة سنة.

دلت الروايات على أن نطفتها انعقدت من ثمر الجنة الذي تناوله النبي (ص) حين الإسراء والمعراج الذي حصل حوالى سنة 4 للبعثة النبوية الشريفة.

أولادها: الإمامان الحسن و الحسين (ع) وزينب الكبرى بطلة كربلاء، وقيل ام كلثوم والمحسن. والمحسن لم يقدر له أن يولد فقد اسقط وهولا يزال جنيناً.

لقد كانت الزهراء صلوات الله عليها صورة فريدة للكمال الإنساني. حيث جمعت في شخصيتها كل معاني العظمة والعفة والفضيلة والشرف والكمال، وكانت خير بنت لأبيها،كما كانت خير زوجة لزوجها، وخير ام لأولادها.

وفي القرآن الكريم أكثر من آية نزلت بشأنها وبشأن أئمة اهل البيت (ع) دلت على عصمتهم ومكانتهم وفضلهم وإيثارهم وحقهم علينا.

 من ذلك: قوله تعالى في سورة الأحزاب: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.)

فإن المقصود بأهل البيت في الآية هم رسول الله (ص) وعلي (ع) وفاطمة والحسن والحسين (ع). فقد روى ذلك الطبري في تفسيره المعروف بتفسير الطبري عن ابي سعد الخدري قال: قال رسول الله (ص) : نزلت هذه الآية في خمسة: فيَّ، وفي علي وحسن وحسين وفاطمة (ع) .

ومنها: قوله تعالى: في آية المباهلة (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابنائنا وأبناءكم ونسائنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) آل عمران /61

فقد أجمع المفسرون على أن المراد ب (ابنائنا) الحسن والحسين وبـ (نساءنا فاطمة الزهراء. وبـ (انفسنا) علي بن ابي طالب (ع). وقد أراد النبي (ص) في قضية المباهلة أن يباهل بأعز الناس إليه واكرمهم عنده وهم أهل بيته (ع) .

ومنها قوله تعالى (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً) الإنسان/8

فقد ذكر المفسرون من مختلف الفرق الإسلامية أن هذه الآية الشريفة نزلت في علي وفاطمة وولديهما الحسن والحسين (ع). فقد جاء في تفسير الكشاف عن ابن عباس: أن الحسن والحسين(ع)مرضا، فعادهما رسول الله (ص) في ناس معه، فقالوا يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك ، فنذر علي وفاطمة وفضة وهي جارية لهما إن برئا أن يصوموا ثلاثة أيام، فشفيا وما معهم شيء، فاستقرض علي (ع) ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعا واختبزت خمسة أقراص على عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف على بابهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين اطعموني اطعمكم الله من موائد الجنة فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء، واصبحوا صياما، فلما امسوا ووضعوا الطعام بين ايديهم وقف عليهم يتيم فآثروه ، ووقف عليهم اسير في الثالثة أي في الليلة الثالثة ففعلوا مثل ذلك. فلما اصبحوا أخذ علي (ع) بيد الحسن والحسين واقبلوا إلى رسول الله (ص) فلما ابصرهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال: ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم، وقام وانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها، فساءه ذلك،فنزل جبرائيل وقال خذها يا محمد هناك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة. أي السورة التي تضمنت هذه الآية. 

وهذا هو سر أهل البيت (ع)، إنهم يتحركون في كل نشاطاتهم في الحياة لوجه الله وفي سبيل الله لا يريدون جزاءً ولا شكوراً،وتلك هي القيمة الإنسانية، أن يعطي الإنسان كل ما يملكه لمن يحتاجه من دون انتظار أي مقابل منه. وإنما ينتظر رحمة الله. وتلك هي قيمة أهل البيت ومنهم سيدتنا فاطمة (ع) فقد عاشوا روحية العطاء والبذل، عطاء العلم والمال والجاه والقوة والروح والدم كل ذلك لوجه الله وفي سبيله.

هذا بعض ما جاء في القرآن فيما يخص أهل البيت (ع) ومنهم الزهراء (ع) واما رسول الله (ص) فقد تحدث عن الزهراء وفضله ومكانتها ومنزلتها.

أما رسول الله (ص) فقد تحدث عن الزهراء وفضلها ومكانتها ومنزلتها كثيرا ووصفها بما لم يوصف به احدا من النساء، فقد ورد عنه بشأنها:

(أنها سيدة نساء أهل الجنة) . وفي حديث آخر: (أنها سيدة نساء العالمين) . وفي رواية ثالثة: (سيدة نساء المؤمنين).  وفي نص رابع :(سيدة نساء هذه الأمة)

إذن فاطمة الزهراء هي سيدة نساء العالمين وليست سيدة نساء زمانها، ففي الروايات أن مريم (ع) كانت سيدة النساء، ولكن في زمانها وان آسيا كانت سيدة النساء ولكن في زمانها، وأن خديجة الكبرى كانت سيدة النساء ولكن في زمانها، أما فاطمة الزهراء (ع) فهي سيدة نساء العالمين منذ أن خلق الله آدم إلى قيام الساعة.

هي في هذا الموقع الإلهي الكبير، وما كانت لتكون كذلك لولا الاختيار الإلهي، لأن الله هو الذي يختار اليه وإلى مقامات القرب منه، وإلى مواقع الكرامة عنده من يشاء من خلقه، ولأنها هي بحد ذاتها سيدة جليلة صالحة عارفة عاملة زاهدة قريبة من الله كانت كذلك، لم تصبح فاطمة سيدة نساء العالمين لأنها بنت محمد (ص) فإن الله عز وجل لا يعطي المقامات المعنوية على اساس القرابة والنسب، وإنما الله عز وجل يصطفي إليه ويجتبي إليه ويرفع الذين آمنوا وعملوا الصالحات والذين جاهدوا انفسهم واعدائهم من أجل رضى الله.

لم تصبح فاطمة سيدة نساء العالمين لأنها بنت محمد ولا لأنها زوجة أمير المؤمنين (ع) بل لأنها فاطمة، لأنها تملك من المواصفات الإنسانية والروحية والمعنوية والأخلاقية ما لا تملكه إمرأة في هذا الوجود على الإطلاق، لأن فاطمة مميزة عن كل نساء العالم في مستواها الروحي والأخلاقي والمعنوي وفي عبادتها وفي اخلاقها وفي طهرها وفي صفائها ونقائها، ولهذا كانت سيدة نساء العالمين، هذا من جهة، ومن جهة اخرى كونها سيدة نساء العالمين لا يقصد بهذا أن يكون لفاطمة مقام فخري أو رمزي أو معنوي بمعزل عن مسؤوليات في هذه الأمة، عندما تكون فاطمة أو عندما يؤكد الإسلام أن فاطمة الزهراء (ع) هي سيدة نساء العالمين، فهذا يعني أن على نساء العالم والرجال ان يتخذن من الزهراء اسوة وقدوة للاتباع وللاقتداء وللسير على خطاها.

هذا معنى أنها سيدة نساء العالمين، يعني مطلوب من نساء العالم أن ينظرن كيف عاشت الزهراء وكيف كانت الزهراء كيف كانت تفكر وكيف كانت تعبد وكيف كانت تعيش في بيتها ومحيطها ومجتمعها، كيف كانت تتعامل مع زوجها، وكيف كانت تربي أولادها، وكيف كانت تتعامل مع جيرانها والناس، كيف كانت مواقفها وكيف كانت حياتها. أن يدرسوا حياة هذه السيدة الجليلة العظيمة ويتخذن من حياتها اسوة وقدوة وطريقا في هذه الحياة.

إن خلاصة حياة هذه الإنسانة العظيمة فاطمة الزهراء (ع) هي انها لم تعش لنفسها لحظة واحدة، وإنما عاشت لأبيها رسول الله ولزوجها ولي الله ولولديها اللذين هما إمامان قاما أوقعدا، عاشت للرسالة التي كانوا يحملونها ويجاهدون من اجلها.

ولذلك كانت الرسالة تجري معها وتسير معها، وكانت تطل على الناس لتفكر بآلامهم قبل أن تفكر بألام نفسها وكانت تقوم بمسؤولياتها ودورها على اكثر من مستوى، على المستوى الثقافي وعلى المستوى الاجتماعي وعلى المستوى السياسي. فمن نشاطها الثقافي والاجتماعي والسياسي:

أولا: تعليم النساء القرآن وتثقيفهن بالأحكام الشرعية وبالمعارف الإلهية الضرورية، وإن تأكيد النبي (ص) على مكانتها ومقامها وموقعها في الاسلام والإيمان والمعرفة قد جعل لها درجة من المرجعية للناس في المدينة، وأصبح بيتها محطة للداخلات والخارجات حيث أن سكان المدينة وغيرهم كانوا يقصدونها ليأخذوا عنها العلم والمعرفة كما ذكر المؤرخ المعتزلي.

ثانياً: مشاركتها في الدعوة إلى الله، في المواقع المختلفة حتى في قضية المباهلة مع النصارى التي اشار إليها القرآن في الآية التي ذكرناها.

ثالثا: قيامها بدور الدفاع عن القضايا الإسلامية الكبرى ومنها قضية الإمامة وخطبتها العظيمة في المسجد التي تناولت فيها معظم جوانب التشريع الإسلامي، فذكرت لكل جانب حكمته وفلسفته. ومما قالت: (فجعل الله الإيمان تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة تنزيها لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس ونماء في الرزق، والصيام تثبيتا للإخلاص والحج تشييدا للدين، والعدل تنسيقا للقلوب، وطاعتنا نظاما للملة، وإمامتنا أماناً من الفرقة، والجهاد عزا للإسلام والصبر معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة)

رابعا: مساهمتها بما يتناسب مع شخصيتها وقدرتها وظروفها في حروب الإسلام المصيرية، كما في أحد حيث كانت إلى جانب رسول الله (ص) وقد داوت جراحه (ص) في هذه المعركة.

خامسا: رعايتها للايتام والمساكين والأسرى وهو ما خلده الله في القرآن الكريم بقوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا).

ويذكر المؤرخون في قضية زواج علي من فاطمة (ع) أن الكبار من المهاجرين خطبوا فاطمة من رسول الله (ص) فكان جواب النبي كما تقول الرواية: انتظر أمر ربي، وقيل لعلي لما لم تخطب فاطمة؟ فجاء إلى رسول الله (ص) وحدثه بذلك فانفرجت اسارير  النبي وكأنه كان ينتظر ذلك. فقال له: وماذا عندك؟ أو ما معك؟ قال: معي درعي وسيفي وهذه الثياب التي البسها وأنت تعرف ذلك! فقال (ص) أما سيفك فلا تستغني عنه لأنه السيف الذي تدافع به عن الإسلام وعن وجه رسول الله (ص). ولكن اعطني درعك، وبيع الدرع ب (500) درهم وكان ذلك مهر الزهراء، وانتقلا إلى بيت الزوجية وعاشا كأفقر الناس، حتى أن الزهراء كانت تعاني من الفقر ومن الجهد والتعب والمشقة في بيتها ما لم تعانيه إمرأة سواها.

ولكنه مع ذلك عاشت حياتها كأية زوجة تخلص لزوجها في كل مسؤولياتها الزوجية، لم تميز نفسها عن أية زوجة مسلمة مع زوجها من خلال أنها إبنة رسول الله (ص) كانت مسلمة كأفضل ما تكون المسلمات في مسؤولياتها وواجباتها الزوجية، كانت تطحن وتعجن وتخبز، وكانت تربي أولادها وترعاهم وتعلمهم الاستقامة والطاعة لله والعبادة والصدق والإخلاص وتحمل المسؤوليات.

لقد اعلن الإمام الخميني الراحل رضوان الله عليه يوم ولادة الزهراء يوما للمرأة العالمي. حيث قال: إذا كان لا بد للمرأة من يوم فأي يوم أعظم من يوم الزهراء (ع)

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا يكون يوم ولادتها يوما عالميا للمرأة؟ لماذا فاطمة وهي لم تتعدى فترة الشباب؟

والجواب: لأن الزهراء (ع) جمعت في شخصيتها وفي ذاتها كل المعاني السامية ولانها تمثل النموذج الأكمل للمرأة في عقلها الذي كان قطعة من عقل رسول الله (ص) وفي روحها التي كانت  نبضة من نبضات روح رسول الله (ص) وفي اخلاقها وعبادتها وزهدها الذي كان صورة زهد رسول الله واخلاقه وعبادته.

ولأنها ايضا تمثل النموذج للمرأة في عملها ونشاطها الثقافي والاجتماعي والسياسي والجهادي. وللمرأة في حياتها الزوجية وحياة الأمومة وحياة الإنسانة التي عاشت هموم المجتمع في كل قضاياه ومشكلاته الكبرى.

كانت الزهراء البنت كأفضل ما تكون البنات، وكانت الزوجة كأفضل ما تكون الزوجات، وكانت الأم كأفضل ما تكون الامهات، وكانت المسلمة المسؤولة المجاهدة بعملها وحركتها ومواقفها كأفضل ما تكون المسلمات، فهي تجمع كل هذه العناوين الإنسانية في شخصيتها الفريدة ولذلك استحقت أن تكون نموذجا وقدوة واسوة للمرأة في العالم، وأن يكون يوم ولادتها (يوما عالميا للمرأة ).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين