الصفحة الرئيسية

محاضرة القيت في معهد المعارف الحكمية في محرم الحرام سنة 2003 تحت عنوان أهداف الثورة الحسينية

هناك عد نظريات في اهداف الثورة الحسينية:

1-  ثورة عشائرية:

-                    لم تكن ثورة الحسين (ع) حركة قبلية (عشائرية) تعبر عن الصراع القائم بين قبيلتين قرشيتين كانتا تتصارعان على السلطة والهيمنة قبل الإسلام هما قبيلتا بني هاشم وبني أمية ....

-                    رفض النظرية: هذه النظرية مرفوضة لأن الذين وقفوا إلى جانب الحسين (ع) تنوعت انتماءاتهم القبلية والقومية والشعوبية والسياسية والمذهبية. ولم يكونوا كلهم من بني هاشم، كما أن الذين وقفوا إلى جانب عبيد الله بن زياد وحاربوا الحسين لم يكونوا من بني أمية. وإنما تعددت واختلفت انتماءاتهم المذهبية والسياسية والقبلية، والهدف من هذا التفسير هو محاصرة الحق وتشويهه.

2-  صراع على السلطة:

- ولم تكن ثورة الإمام الحسين (ع) صراعا على السلطة والحكم، ولا من اجل الهيمنة والسيطرة والنفوذ وإنما لأجل إقامة الحق والعدل الإلهي، فهدف الحسين (ع) حسب هذه النظرية هو الوصول إلى السلطة وإقامة الحكم الإلهي.

-                    رفض النظرية: هذه النظرية مرفوضة لا لأن السعي نحو إقامة الحكم الإسلامي عمل غير مشروع بل هو واجب إلهي يجب السعي له. إذا تحققت شروطه الموضوعية، وإنما لأن الحسين (ع) كان يعرف أن إقامة الحكم الإسلامي لا يمكن ان يصل إليه بسبب إدراكه وفهمه لطبيعة الظروف السياسية والنفسية والاجتماعية للأمة.

وبسبب أن الحسين كان يعرف مسبقا ومنذ البداية النتائج التي سيحصل عليها وأنه لن يتمكن من الوصول إلى السلطة.

ويمكن أن نعرف هذه الحقيقة من عدة امور:

1-  إن بعض أصحاب الحسين المخلصين والعارفين بطبيعة الظروف السياسية كانوا يعرفون بأن هذا الهدف وهو الحصول إلى الحكم لا يمكنه تحقيقه. كعبد الله بن العباس ومحمد بن الحنفية وعبد الله بن جعفر وأم سلمة وجماعة آخرين. وحذروا الحسين من الموقف العام لأهل الكوفة وإمكانية خذلانهم له.

ونحن إزاء ذلك لا يمكن أن نفترض أن الحسين لم يكن مدركاً لهذه الحقائق التي ادركها هؤلاء وهو الإمام الذي كان محيطاً بكل الأوضاع السياسية والظروف الاجتماعية للناس.

2-  إصرار الإمام الحسين على المضي في طريقه رغم تدهور الأوضاع السياسية في الكوفة بمقتل مسلم بن عقيل، ورسوله مسهر بن قيس الصيداوي وغيرهما، وتوارد الأنباء عليه بخذلان أهل الكوفة. ورغم تقديم النصائح له بالرجوع والعدول عن مقصده، كان الحسين مصراً على الاستمرار ومتابعة الطريق.

3-   النصوص التي وردت عن الحسين والنبي وأهل البيت (ع) والتي تؤكد على أن الجميع كانوا على إطلاع على هذه المأساة وتفاصيلها. وأن الحسين سينال الشهادة في هذه الواقعة هو وأهل بيته وأصحابه في خطبته عندما خرج من مكة إلى الكوفة قال:

خط الموت على ابن آدم مخط القلادة على جيد الفتاة.

وقوله لأبن الزبير: وايم الله لوكنت في حجر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا بي حاجتهم

وكان يقول (ع):والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي.

فهو كان عارفا بالمصير الذي ينتظره وينتظر اصحابه.

ثم قوله (ع): وكأني بأوصالي هذه تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء.

فالحسين (ع) كان على يقين من هذه النهاية المأساوية لحركته وثورته. فلا يمكن أن يخطر بباله أنه سوف يصل إلى الحكم أو يضع في اعتباراته والحال هذه أنه سيصل إلى السلطة. 

 

3-  هدف اخلاقي فقط:

       وهناك تفسير ثالث هو: إن هذا التحرك والنهوض كان بدوافع اخلاقية ذاتية تنطلق من العوامل النفسية والاخلاقية الإسلامية العربية التي كان يتصف بها الحسين (ع) . باعتبار أن الحسين (ع) كان ابي الضيم وإنساناً شريفا عزيزا وكريما وهو ابن بنت رسول الله (ص) وابن علي بن ابي طالب فلا يمكن أن يخضع لرجل كيزيد بن معاوية، وضيع فاسق فاجر شارب للخمر، فلا يمكن لمثل الحسين (ع) أن يضع يده بيد يزيد.

       وقد عبر عن ذلك قوله (ع) لوالي المدينة الوليد: أيها الأمير، إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله، وبنا ختم. ويزيد شارب الخمور، قاتل النفس المحترمة، ومعلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله.

       وقوله (ع): والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر لكم إقرار العبيد.

       فالمسألة مسألة اباء الضيم ، مسألة العزة والكرامة.

       وقوله (ع): ألا وإن الداعي ابن الدعي قد ركز بين إثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ونفوس ابية وحجور نقية ...

حركة الحسين ليست اخلاقية فقط.

       إن هذا الهدف الأخلاقي وإن كان يشكل جزأً مهما من حركة الحسين إلا أنه لا يمكن أن يكون هو التفسير الكامل،والهدف التام لحركة الحسين (ع) وذلك لأن الحسين وهو الإمام الذي يتحمل مسؤوليات كبيرة تجاه الأمة لا ينطلق في حركته ومواقفه من موقع المشاعر الخاصة والعواطف والأحاسيس الاخلاقية الذاتية النبيلة فقط، بل ينطلق من المصالح الإسلامية العليا للدين والأمة. ومن موقع المسؤوليات والواجبات العامة حتى لو كانت على حساب العواطف الخاصة.

       ولذلك فقد يفرض على الإمام أن يقف موقفاً يتسم بالتنازل من اجل مصلحة إسلامية أكبر وأعظم، كما فعل الحسن مع معاوية في الهدنة التي وقعها معه فيما عرف بصلح الحسن.

4-  ثورة الحسين قضيةغيبية:

       وهناك نظرية رابعة هي النظرية الغيبية تقول: أن الحسين (ع) إمام معصوم والله سبحانه كتب عليه منذ أن خلق الخلق أن يقتل في كربلاء بهذه الطريقة المأساوية، ونحن لا يمكن أن نعرف حكمة هذا السر الغيبي فإن هذا سر  من أسرار الله، وبالتالي نحن لا نستطيع أن نتأسى بالحسين لأن مسألته مسألة فردية، بشّر بها الأنبياء قبل نبينا كما بشر بها نبينا والأئمة (ع).

ويشير الى هذا التفسير جواب الحسين(ع) عن اصطحاب النساء: شاء الله أن يراني قتيلاً .. وشاء الله أن يراهن سبايا.

رفض هذه النظرية:

       هذه النظرية نرفضها لأنه لو قال لنا الله سبحانه في شأن أئمة أهل البيت ومنهم الحسين أن لهم احكاما خاصة وادوارا خاصة ولهم حياة وممارسات وتكاليف خاصة بهم، وإن هؤلاء عندما يقومون بعمل لا يعنيكم أمرهم وعملهم ولا يجب عليكم الالتزام به أو الأخذ منهم . كان من الممكن أن نقبل هذه النظرية ، لأنهم مكلفون بتكليف خاص ومعين انتم غير معنيين به.

       ولكن الأمر ليس كذلك، لأن كل مؤمن يعلم أن هؤلاء العظام جعلهم الله في موقع القدوة والأسوة والهداية كما ورد عن النبي (ص): الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة.

       لأن الإمامة هي في موقع القيادة للناس والهداية لهم:

       إبراهيم قال الله له: (إني جاعلك للناس إماماً)

       (لقدكان لكم في رسول الله أسوة حسنة)

       (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)

       (أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده) 

       فهذا العمل الذي قام به الحسين لم يكن تكليفه الخاص ولا مختصا به كشخص أوهو سر من الأسرار، بل المراد من هذه الحركة أن يتأسى بها الناس ويلتزموا نهجها وخطها ويتفاعلوا معها.

أهداف الثورة الحسينية:

الاهداف التي نراها ويراها بعض العلماء هي:

1-              تحطيم الإطار الديني المزيف الذي كان الأمويون وأعوانهم يحيطون به سلطانهم وفضح الروح اللادينية، الجاهلية التي كانت توجه الحكم الأموي.

2-              تثبيت الموقف الشرعي والحكم الإسلامي تجاه ظاهرة الطغيان اليزيدي.

3-              إيقاظ ضمير الأمة وهز مشاعرها واحاسيسها وتحريك وجدانها من اجل العمل على مواجهة ظاهرة الطغيان وبعث الروح النضالية في الإنسان المسلم من أجل رد اعتباره الإنساني

-                    وإن وضع المجتمع الإسلامي انذاك / الخضوع / الاستسلام / الانقياد للحاكم الظالم/ الفقر الخوف والرعب منه/ حب الراحة والدِعة/ الخنوع والتكاسل عن العمل والجهاد والتغيير الخ ..

كل ذلك كان يتطلب القيام بعمل استشهادي فاجع يلهب الروح النضالية والجهادية في المجتمع ويتضمن اسمى مراتب ومعاني التضحية والفداء. ليكون ذلك اسوة لجميع الثائرين .

فقد كان عامة افراد المجتمع يقعدون عن أي عمل إيجابي لتطوير واقعهم ومواجهة الظالم، كان المجتمع خائفا مترددا ومتعلقا بالدنيا. وما كان لهذا المجتمع أن ترد له كرامته وإنسانيته ويوقظ ضميره وروحه الجهادية إلا بعمل استشهادي من شخص كالحسين(ع).

والحمد لله رب العالمين